الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2187 [ ص: 189 ] 9 - باب: وكالة المرأة الإمام في النكاح

                                                                                                                                                                                                                              2310 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبت لك من نفسي. فقال رجل: زوجنيها. قال: "قد زوجناكها بما معك من القرآن". [5029، 5030، 5087، 5121، 5126، 5132، 5135، 5141، 5149، 5150، 5871، 7417 - مسلم: 1425 - فتح: 4 \ 486]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث سهل جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبت لك من نفسي. فقال رجل: زوجنيها. قال: "قد زوجناكها بما معك من القرآن".

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث ذكره في النكاح وغيره ففي لفظ له: "فقد ملكتكها بما معك من القرآن" وفي لفظ: "أملكناكها بما معك من القرآن".

                                                                                                                                                                                                                              وفي مسلم : "فقد زوجتكها بما معك من القرآن" قال الطرقي: "أملكناكها" رواية محمد بن مطرف، ولم يقل أحد منهم "ملكتها" إلا ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عيينة "أنكحتكها" والباقون قالوا "زوجتكها".

                                                                                                                                                                                                                              وقال الدارقطني : رواية من روى: "ملكتكها" وهم، ومن روى: "زوجتكها" الصواب. [ ص: 190 ]

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك فليس في الباب ما بوب عليه كما نبه عليه الداودي، وليس فيه أنه استأذنها، ولا أنها وكلته، وقد قال تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم [الأحزاب: 6].

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : وجه الاستنباط من الحديث هو أنه - عليه السلام - لما قالت له المرأة: قد وهبت نفسي لك، كان ذلك كالوكالة على تزويجها من نفسه، أو ممن رأى تزويجها منه، فكان كل ولي للمرأة بهذه المنزلة أنه لا ينكحها حتى تأذن له في ذلك، إلا الأب في البكر، والسيد في الأمة، فإذا أذنت له وافتقر الولي إلى إباحتها ورضاها وكالة، وليست هذه الوكالة من جنس سائر الوكالات التي لا يفعل الوكيل شيئا إلا والموكل يفعل مثله؛ من أجل أنه - عليه السلام - قد خص النكاح أنه لا يتم إلا بهذه الوكالة بقوله "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" وجمهور العلماء على أنه لا تلي المرأة عقد نكاح بحال، لا نفسها ولا غيرها - وسيأتي في النكاح أنها جعلت أمرها إليه صريحا - هذا قول مالك وابن أبي ليلى والثوري والليث والشافعي . قال مالك: ويفسخ وإن ولدت منه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : إذا زوجت نفسها يحسن أن لا يتعرض لها الولي، إلا أن تكون عربية تزوجت مولى فيفسخ. وقال أبو حنيفة وزفر : يجوز عقدها على نفسها، وأن تزوج نفسها كفؤا. [ ص: 191 ]

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا إذا لم يكن لها ولي فجعلت عقد نكاحها إلى رجل ليس بولي، ولم ترفع أمرها إلى السلطان، فعن مالك أن للسلطان أن ينظر فيه فيجيزه أو يرده، كما كان ذلك للولي، وعنه فيمن تزوجت بغير ولاية من يجوز له ولايتها، ودخل بها، والزوج كفؤ، فلا يفسخ. وقال سحنون: قال غير ابن القاسم : لا يجوز وإن أجازه السلطان والولي؛ لأنه نكاح عقد بغير ولي، وهو قول ابن الماجشون، وحجتهم الحديث السالف.

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: لا يصح النكاح عندنا إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، وخالف أبو حنيفة فقال: يصح بلفظ الهبة، كما سيأتي، واعترض القرطبي برواية "ملكتكها" وقد علمت ما فيها. ويحتمل كما قال النووي صحة اللفظين - أعني: هذه، و"أملكناكها" - ويجوز جري لفظ التزويج أولا فتملكها، ثم قال: اذهب فقد ملكتكها بالتزويج السابق.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: من خصائصه إباحة عقد النكاح بغير عوض، لا حالا ولا مآلا وهو معنى قوله تعالى: وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي [الأحزاب: 50] وينعقد عندنا نكاحه بلا شهود ولا ولي وبلفظ الهبة؛ لأنه لم ينكر عليها. [ ص: 192 ]

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: ادعى ابن حبيب أن خبر سهل هذا منسوخ بقوله: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" وهو عجيب، ويحتمل أن يكون حضره الصحابة، وهو الظاهر؛ لأن سهلا كان حاضرا، ويحتمل أن يكون معه غيره، وكلهم عدول، والشارع هو الولي، ولعله لم يكن لها ولي خاص. [ ص: 193 ]

                                                                                                                                                                                                                              رابعها: ادعى ابن أبي زيد أن هذا خاص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الرجل، قال: وشيء آخر أنه زوجها ولم يستأمرها، ولم يظهر من الحديث رغبتها في نكاح غيره.

                                                                                                                                                                                                                              خامسها: فيه دليل على عقد النكاح بالإجارة، وفيه ثلاثة أقوال لأصحاب مالك: الإباحة، والكراهة، والمنع.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : يجوز للعبد أن يتزوج امرأة على أن يخدمها، ولا يجوز على تعليم القرآن؛ لأن الأجرة عنده عليه لا تجوز، وأما الحر فلا يجوز له أن يتزوج بخدمة.

                                                                                                                                                                                                                              سادسها: فيه دليل على الانعقاد بقوله: زوجني، فقال: زوجتك، وإن لم يقل الزوج ثانيا: قبلت، وهو قول فقهاء الأمصار. وكذلك البيع عند مالك والشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا يصح حتى يقول: قبلت.

                                                                                                                                                                                                                              سابعها: فيه دليل على صحة عقد النكاح وإن لم تتقدمه خطبة، خلافا لداود في إيجابه ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              خاتمة: قال أبو عمر : أجمع العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له وطؤه دون رقبته بغير صداق. [ ص: 194 ]

                                                                                                                                                                                                                              أخرى: وافق الشافعي في اقتصاره على التزويج أو الإنكاح ربيعة، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود، وغيرهم، وذلك على اختلاف عنه، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح : ينعقد بلفظ الهبة، ولها المهر المسمى، وإن لم يسم مهرا فلها مهر مثلها.

                                                                                                                                                                                                                              أخرى: لا حد للصداق عندنا إلا أن ينتهي إلى ما لا يتمول فيفسد، ويجب مهر المثل، ونحوه عن ابن عباس، وبه قال ربيعة، وأبو الزناد، وابن أبي ذئب، ويحيى بن سعيد، والليث، والثوري والأوزاعي، والزنجي، وابن أبي ليلى، وداود، وابن وهب .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك: أقله ربع دينار، وهو من أفراده، كما قال عياض .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : أقله عشرة دراهم. وقال ابن شبرمة : خمسة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال النخعي : أربعة. وعن الأوزاعي وابن وهب : درهم. وعن ربيعة: قيراط. وقال ابن حزم : يجوز كل ما له نصف وثمن أو أكثر، ولو أنه حبة بر أو شعير. وعن ابن جبير : خمسون درهما.

                                                                                                                                                                                                                              أخرى: جاء في الصحيح "ولو خاتم من حديد" وهو قال على جواز لبسه، وفيه خلاف عندنا في كراهته، وحديث النهي ضعيف.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية