الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4258 4532 - حدثنا حبان، حدثنا عبد الله، أخبرنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين قال: جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار، وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى، فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث، فقال عبد الرحمن: ولكن عمه كان لا يقول ذلك. فقلت: إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة. ورفع صوته، قال: ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر أو مالك بن عوف قلت: كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل؟ فقال: قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظ، ولا تجعلون لها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى. وقال أيوب: عن محمد: لقيت أبا عطية مالك بن عامر. [4910 - فتح: 8 \ 193]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ساق حديث ابن أبي مليكة قال ابن الزبير : قلت لعثمان : هذه الآية التي في البقرة: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا [البقرة: 234] قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها؟! قال ندعها يا ابن أخي، لا أغير شيئا من مكانه. قال حميد -يعني: ابن الأسود - أو نحو هذا.

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن أبي مليكة قال ابن الزبير : قلت لعثمان : والذين يتوفون منكم [البقرة: 234] نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها؟ مراده بالآية الأخرى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا [البقرة: 234] تدعها، قال: يا ابن أخي، لا أغير شيئا من مكانه.

                                                                                                                                                                                                                              كأن عثمان - رضي الله عنه - راعى الإثبات؛ لأنه إنما نسخ الحكم خاصة دون اللفظ، وكأنه ظن أن ما نسخ لا يكتب وليس كما ظنه، بل له فوائد: ثواب التلاوة والامتثال؛ ولأنه لو أراد نسخ لفظه لرفعه، والأكثرون

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 106 ] -كما قال النحاس - على أن هذه الآية ناسخة لآية: والذين يتوفون منكم [البقرة: 240] ثم أخرج المتوفى عنها الحامل، كما سيأتي، ونقل عن علي أن لها أن تخرج وتحج إن شاءت ولا تقيم في منزلها قال: ثم حكي عن أربعة من الصحابة أنهم لم يوجبوا عليها الإقامة في بيتها قال: وزعم قوم أن: والذين يتوفون منكم نسخها حديث: "لا وصية لوارث".

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق عن إسحاق وهو ابن إبراهيم كما حدث به البخاري في الأحزاب أو ابن منصور ، كما حدث به في الصلاة وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                              أنا روح، ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا [البقرة: 240]، قال: كانت هذه العدة، تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا إلى قوله: من معروف [البقرة: 240] قال: جعل لها تمام السنة، سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى: غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم والعدة كما هي واجب عليها. زعم ذلك عن مجاهد أي: زعم ذلك ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، كما بينه الحميدي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 107 ] ثم قال البخاري :

                                                                                                                                                                                                                              وقال عطاء : قال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله: غير إخراج .

                                                                                                                                                                                                                              قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: فلا جناح عليكم في ما فعلن [البقرة: 240] قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت، ولا سكنى لها.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا إن كان عطفا على الإسناد الأول فلا خفاء فيه، وكذا فقد أخرجه أبو داود من حديث شبل، عن ابن أبي نجيح قال: قال عطاء . ثم قال البخاري :

                                                                                                                                                                                                                              وعن محمد بن يوسف، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بهذا. وعن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال: نسخت هذه الآية عدتها في أهلها، فتعتد حيث شاءت لقول الله تعالى غير إخراج [البقرة: 240] نحوه.

                                                                                                                                                                                                                              هذا مذهب مجاهد يحتمل أن البخاري أدرجه على رواية إسحاق السالفة، أو علقه عن شيخه محمد بن يوسف، فيما نسبه أبو مسعود في "أطرافه"، وقد أخرجه أبو نعيم ، عن سليمان بن أحمد ، ثنا عبد الله بن محمد، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن يوسف، ثم قال: ذكره البخاري عنه، وهذا مذهب مجاهد : استحقاقها ما لم تخرج. وادعى ابن بطال أنه من أفراده، وأنه لم يتابع عليه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 108 ] وقوله: (جعل الله لها تمام السنة وصية إن شاءت سكنت أو خرجت) أي: أراد أنها تخرج بعد تمام العدة، فلا بأس به غير أنه يذهب أن ذلك للأزواج كلهن، وليس كذلك إنما هو الزوجة التي لا ترث، فيجوز لها الوصية.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى متاعا إلى الحول : متعوهن متاعا ومعنى وصية لأزواجهم فليوصوا وصية لأزواجهم، ثم نسخ ذلك بقوله: والذين يتوفون منكم الآية.

                                                                                                                                                                                                                              كانت المرأة ينفق عليها ما لم تخرج من بيت زوجها، فإذا خرجت قطعت عنها. وقول عطاء : في المتوفى لا سكنى لها قال به أبو حنيفة ، ومذهب مالك أنها لها السكنى إذا كانت الدار ملكا للميت أو منافعها. وقول ابن عباس : نسختها عدتها عند أهلها … إلى آخره. ليس ببين، إذ ليس بموجود في الكتاب ولا في السنة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث عبد الله بن عون ، عن محمد بن سيرين قال: جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار، فيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكر حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث ، فقال عبد الرحمن : ولكن عمه كان لا يقول ذلك. فقلت: إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة. ورفع صوته، قال: ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر أو مالك بن عوف ، قلت: كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل؟ فقال: قال ابن مسعود : أتجعلون عليها التغليظ، ولا تجعلون لها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى. وقال أيوب عن محمد: لقيت أبا عطية مالك بن عامر -عن ابن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 109 ] مسعود-
                                                                                                                                                                                                                              أن قوله: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [الطلاق: 4] نزلت بعد قوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا الآية [البقرة: 234] وقال ابن عباس وعلي: إنما هذه في المطلقات، وأما في الوفاة فعدة الحامل آخر الأجلين وبه قال سحنون، والأول أشهر وعليه الفقهاء وأنه تخصيص دل عليه خبر سبيعة، وأراد ابن مسعود بالتغليظ طول العدة إذا زادت مدة الحمل والرخصة إذا وضعت لأقل من أربعة أشهر وعشر، ومفهوم كلام ابن مسعود أنها نسختها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (إني لجريء) أي: غير مستح.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث سبيعة يأتي في تفسير سورة الطلاق وغيره كما ستعلمه، وذكر الطبري عن ابن عباس وذكر الآية في والذين يتوفون منكم [البقرة: 234]، فقال: هذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملا فالوضع.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى يتربصن : يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الأزواج، والإحداد إلا من عذر، وقيل: إنما أمرت بالتربص عن الأزواج خاصة، وعن الحسن إنما كان يرخص في التزين ولا يرى الإحداد شيئا، وعن أبي العالية وغيره صارت هذه العشرة مع الأشهر الأربعة لنفخ الروح فيها

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 110 ] وقوله: فإذا بلغن أجلهن أي: عدتهن فلا جناح لا إثم. وقرأ ابن مسعود (لا حرج عليكم) والمعروف: الحلال الطيب قاله مجاهد ، وقال ابن عباس : تزينها عند انقضاء عدتها وتعرضها للتزويج.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: وعشرا أي: عشر ليال فأسقط الهاء، يدل عليه قراءة ابن عباس (وعشر ليال).

                                                                                                                                                                                                                              وقال المبرد : معناه وعشرين مدة كل مدة فيها يوم وليلة.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: مبهم العدد ينصرف إلى الليالي لسبقها.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: لأن التاريخ يكون بالليلة إذا كانت هي أول الشهر واليوم تبع لها.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: التقدير: وأزواج الذين يتوفون، حذف المضاف. وقيل: يتربصن بعدتهم فحذف بعدتهم.

                                                                                                                                                                                                                              وزعم الراغب أن الأطباء تقول: إن الولد في الأكثر إذا كان ذكرا يتحرك بعد ثلاثة أشهر، وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر. فجعل ذلك عدة المتوفى عنها، وزيد عليها استظهارا عشرة أيام، وخصت العشرة؛ لأنها أكمل الأعداد وأشرفها.

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي يوسف: المعتدة بالطلاق بالشهور إن وقع ذلك مع رؤية الهلال اعتدت بالأهلة، وإن كان ناقصا، فإن كانت وجبت في بعض شهر اعتدت تسعين يوما في الطلاق، وفي الوفاة مائة وثلاثين يوما.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 111 ] وروى يعقوب عن شيخه: إن كانت العدة وجبت في بعض شهر فإنها تعتد بما بقي من ذلك الشهر أياما ثم تعتد بما يمر عليها من الأهلة شهورا، ثم تكمل الأيام الأول ثلاثين يوما، وإذا وجبت العدة مع رؤية الهلال اعتدت بالأهلة، وهو قول محمد بن الحسن ومحمد بن إدريس، وروي عن مالك .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سلامة في "ناسخه": ليس في كتاب الله آية ناسخة في سورة إلا والمنسوخ بعدها، إلا قوله: متاعا إلى الحول [البقرة: 240] وآية الأحزاب: لا يحل لك النساء من بعد [الأحزاب: 52] نسختها الآية التي قبلها: إنا أحللنا لك أزواجك [الأحزاب: 50]. وهى من أعاجيبه.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "تفسير ابن أبي حاتم ": نسخ والذين يتوفون منكم [البقرة: 240] نسختها آية الأحزاب يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن [الأحزاب: 49] الآية، وهو غريب.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية