الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1760 الأصل

[ 1507 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني.

قال نافع: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال: هذا فرق بين المقاتلة والذرية، وكتب أن يفرض لابن خمس عشرة سنة في المقاتلة، ومن لم يبلغها في الذرية .

التالي السابق


الشرح

الحديث مخرج في "الصحيحين" من طرق، منها رواية البخاري عن عبيد بن إسماعيل عن أبي [أسامة] عن عبيد الله، عن نافع، وفيها قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو إذ ذاك [ ص: 136 ] خليفة، فحدثت هذا الحديث فقال: "إن هذا الحد بين الصغير والكبير، ثم كتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة سنة، وما كان دون ذلك أن يجعلوه في العيال".

ومنها رواية مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فاستصغرني، ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.

ورواه سعدان ابن نصر عن أبي معاوية عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر فزاد: وقال: عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فلم يجزني في المقاتلة ... ثم ذكر يوم أحد ويوم الخندق نحو ما سبق.

ومقصود الحديث في هذا الموضع بيان من يجعل في المقاتلة ومن يجعل في الذرية التابعين للمقاتلة.

قال الشافعي : ينبغي أن يحصي الإمام جميع من في البلدان من المقاتلة وهم من قد احتلم أو استكمل خمس عشرة سنة من الرجال، ويحصي الذرية و [هم] من لم يحتلم ولم يبلغ خمس عشرة سنة والنساء [صغيرهم وكبيرهن] ، ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه من مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم، وللذرية والنساء ما يكفيهم لسنتهم في كسوتهم ونفقتهم والعطاء الواجب في الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال [ ص: 137 ] .

واحتج به على أن البلوغ يحصل بخمس عشرة سنة، وفي الحديث ما يدل على المدة المتخللة بين غزوة أحد والخندق، وقد روي عن عروة بن الزبير والزهري أن غزوة أحد كانت في شوال سنة أربع، وعن مالك أن غزوة الخندق كانت سنة أربع، وعن محمد بن إسحاق في غزوة أحد مثل قولهم، وقال في غزوة الخندق: أنها كانت سنة خمس، والأول الموافق لحديث ابن عمر.

قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وجمع بعضهم بين القولين فقال: كانت غزوة أحد لسنتين ونصف من الهجرة، والخندق لأربع سنين ونصف، فمن قال: سنة أربع أراد بعد تمام الأربع وقبل تمام الخامسة، ومن قال: سنة خمس أراد بعد تمام أربع والدخول في الخامسة.

وقول ابن عمر في يوم أحد: "وأنا ابن أربع عشرة سنة" أي: طعنت في الأربع عشرة.

وقوله في يوم الخندق": وأنا ابن خمس عشرة سنة" أي: استكملتها وزدت عليها، إلا أن الزيادة لم تذكر ولم تنقل للعلم بتعلق الحكم بالخمس عشرة دون الزيادة، قال : هذه الطريقة عندي أصح إلا أنها تخالف الاصطلاح المشهور، فإنا إذا قلنا: سنة أربع أردنا الرابعة، وإذا قلنا: سنة خمس أردنا الخامسة لا السادسة.

وقول نافع: "وهو إذ ذاك خليفة" فيه تجويز إطلاق اسم الخليفة على الأئمة بعد الخلفاء الأربعة، وإن ورد قوله: "الخلافة بعد ثلاثون سنة" وذلك محمول على الخلافة الكاملة [ ص: 138 ] .




الخدمات العلمية