الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4428 ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بذلك، واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا ابن أبي مريم ، قال: ثنا يحيى بن أيوب ، أخبرني عياش بن عباس، قال: أخبرني أبو النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال: "إن رجلا جاء إلى رسول الله -عليه السلام- فقال: إني أعزل عن امرأتي، فقال: لم؟ قال: شفقا على الولد، فقال رسول الله -عليه السلام-: إذا كان لذلك فلا، ما كان ضار فارس أو الروم".

                                                ففي هذا الحديث إباحة وطء الحامل، وإخبار من رسول الله -عليه السلام- أن ذلك إذ كان لا يضر فارس والروم ، فإنه لا يضر غيرهم، فخالف هذا الحديث حديث أسماء ، -رضي الله عنها-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح ومجاهدا والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا والشافعي وأحمد وآخرين، فإنهم قالوا: لا بأس بذلك -أي بوطء الحامل واستدلوا على ذلك بحديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-؛ فإن في حديثه إباحة وطء الحامل، وأخبر فيه رسول الله -عليه السلام- أن ذلك كان لا يضر فارس والروم، فإذا كان لا يضر هؤلاء فكذلك لا يضر غيرهم، وهو معنى قوله: "وإخبار من رسول الله -عليه السلام- أن ذلك" أي وطء الحامل "إذ كان" أي حين كان "لا يضر فارس والروم؛ فإنه لا يضر غيرهم".

                                                ثم إنه أخرج حديث أسامة بإسناد صحيح على شرط مسلم: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ [ ص: 468 ] البخاري ، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري روى له الجماعة، عن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة، وبالشين المعجمة- بن عباس -بالباء الموحدة والسين المهملة القتباني المصري، روى له الجماعة البخاري في غير الصحيح.

                                                عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية المدني روى له الجماعة، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري المدني روى له الجماعة، أن أسامة بن زيد بن حارثة الصحابي -رضي الله عنه- أخبر والده سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة قال: "إن رجلا ... إلى آخره".

                                                وأخرجه مسلم: حدثني محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب -واللفظ لابن نمير- قالا: ثنا عبد الله بن يزيد، قال: ثنا حيوة، قال: حدثني عياش بن عباس، أن أبا النضر أخبره، عن عامر بن سعد، أن أسامة بن زيد أخبر والده سعد بن أبي وقاص: "أن رجلا جاء إلى رسول الله -عليه السلام- فقال: إني أعزل عن امرأتي، فقال له رسول الله -عليه السلام-: لم تفعل ذلك؟ فقال الرجل: أشفق على ولدها -أو على أولادها-، فقال رسول الله -عليه السلام-: لو كان ذلك ضارا؛ ضر فارس والروم -وقال زهير في رواية: إن كان لذلك فلا، ما كان ضار ذلك فارس والروم".

                                                وأخرجه الكجي في "سننه": من حديث حيوة ، عن عياش ، عن أبي النضر ، عن عامر، سمعت أسامة بن زيد يحدث عن والده -أو قال: يحدث والده شك عياش بن عباس: "أن رجلا سأل ... الحديث".

                                                قوله: "لم" أي: لم تعزل.

                                                قوله: "شفقا على الولد" أي خوفا عليه من فساد اللبن.

                                                قوله: "ما كان ضار" أي ما كان ضر، وضار -بالتخفيف- من الضير، يقال: ضاره يضيره ضيرا أي ضره -لغة فيه-، ويروى: "ما ضارر فارس والروم" من ضاره يضاره مضاررة مثل ضره يضره، وفي "المطالع": الضرر والضير والضر

                                                [ ص: 469 ] والضر والضرار كل ذلك بمعنى، ومنه في الحديث: "لا ضير -أو لا يضير- ولا ضرر ولا ضرار" قيل: هما بمعنى على التأكيد، وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك مما تنتفع به أنت، والضرار أن تضره من غير أن تنفع نفسك، ومتى قرن بالنفع لم يكن فيه إلا الضر أو الضر لا غير. انتهى.

                                                وفارس والروم جيلان مشهوران.

                                                واستفيد منه: وطء الحبالى من نسائه أو إمائه من غير كراهة، وإباحة العزل أيضا إذ لم ينه -عليه السلام- عن ذلك.

                                                وفيه: أنه -عليه السلام- كان يجتهد في الأحكام برأيه، وهي مسألة اختلف فيها أرباب الأصول. والله أعلم.

                                                قوله: "فخالف هذا الحديث" أي حديث أسامة "حديث أسماء بنت يزيد بن السكن"، أراد أن بينهما تعارضا، وقد علم أنه إذا وقع تعارض بين الحديثين يحتاج إلى دفعه بوجه من الوجوه المذكورة في بابه، وقد أشار إلى بيان ذلك بقوله:




                                                الخدمات العلمية