الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6137 6138 6139 6141 6142 6143 ص: حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو اليمان ، ثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن زينب بنت أبي سلمة ، وأمها أم سلمة ، أخبرته ، أن أمها أم سلمة قالت : " سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - جلبة خصام عند بابه ، فخرج إليهم فقال : إنما أنا بشر مثلكم ، وإنه يأتيني الخصم ، ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ، فأقضي له بذلك وأحسب أنه صادق ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار ، فليأخذها أو ليدعها " .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، قال : حدثني إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب . . ... ؛ فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب ، عن أم سلمة ، عن رسول الله -عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب ، ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار ، فلا يأخذه " .

                                                حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا وكيع ، عن أسامة بن زيد ، سمعه من عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أم سلمة قالت : "جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى النبي -عليه السلام - في مواريث بينهما قد درست وليست بينهما بينة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما أنا بشر ، فإنه يأتيني الخصم ، ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ; فأقضي له بذلك وأحسب أنه صادق ، فمن قضيت له بحق

                                                [ ص: 488 ] مسلم فإنما هي قطعة من النار ; فليأخذها أو ليدعها ، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما : حقي لأخي الآخر ، فقال رسول الله -عليه السلام - : أما إذا فعلتما هذا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الحق، ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه
                                                .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عثمان بن عمر ، قال : أنا أسامة بن زيد . . ... ، فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا يونس ، قال : أخبرني عبد الله بن نافع الصائغ ، قال حدثني أسامة ، فذكر بإسناده مثله .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه سبع طرق صحاح :

                                                الأول : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي اليمان بن الحكم بن نافع شيخ البخاري ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة بن الزبير بن العوام ، عن زينب بنت أبي سلمة المخزومية الصحابية ربيبة النبي -عليه السلام - .

                                                واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ، عن أم سلمة زوج النبي -عليه السلام - ، واسمها هند بنت أبي أمية .

                                                وأخرجه البخاري : عن أبي اليمان إلى آخره نحوه .

                                                الثاني : عن إبراهيم أيضا ، عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي شيخ البخاري ، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن صالح بن كيسان المدني ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - .

                                                وأخرجه البخاري : عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي . . . . إلى آخره نحوه .

                                                الثالث : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن زينب ، عن أم سلمة .

                                                [ ص: 489 ] وأخرجه البخاري : عن القعنبي ، عن مالك . . . . إلى آخره نحوه .

                                                الرابع : عن محمد بن عمرو بن يونس ، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم ، عن هشام بن عروة . . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن أبي معاوية ، عن هشام . . . . إلى آخره نحوه .

                                                وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع ، وعن كريب عن عبد الله بن نمير ، كلاهما عن هشام بن عروة .

                                                وعن حرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري .

                                                وعن عمرو الناقد ، عن يعقوب ، عن أبيه ، عن صالح .

                                                وعن عبد بن حميد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، كلاهما عن عروة .

                                                الخامس : عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى ، عن وكيع ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع أبي رافع المدني المخزومي مولى أم سلمة روى له الجماعة ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : عن وكيع ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة . . . . إلى آخره نحوه .

                                                السادس : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عثمان بن عمر بن فارس ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة .

                                                وأخرجه أبو داود : عن الربيع بن نافع ، عن ابن المبارك ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة . . . . إلى آخره نحوه .

                                                [ ص: 490 ] السابع : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن نافع الصائغ المدني ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة .

                                                وأخرجه الطبراني : عن أبي يحيى الرازي ، عن سهل بن عثمان ، عن وكيع ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أم سلمة . . . . إلى آخره نحوه .

                                                قوله : "جلبة خصام " : الجلبة الصوت واللغط ، والخصام : جمع خصيم كالكرام جمع كريم ، قال الجوهري : الخصم : معروف يستوي فيه الجمع والمذكر والمؤنث ; لأنه في الأصل المصدر ، ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول : خصمان وخصوم ، والخصيم أيضا الخصم ، والجمع : الخصماء ، وخاصمته مخاصمة وخصاما ، والاسم الخصومة .

                                                قوله : "ألحن بحجته " أي أفطن لها وأجدل بها ، قال أبو عبيد : اللحن -بفتح الحاء - الفطنة ، واللحن -بجزم الحاء - الخطأ من القول .

                                                قوله : "في مواريث " جمع ميراث .

                                                قوله : "درست " أي عفيت ومضى عليها زمان .

                                                قوله : "أو ليدعها " أي أو ليتركها .

                                                قوله : "وتوخيا الحق " أي تحرياه واقصداه .

                                                قوله : "ثم استهما " أي اقترعا .

                                                ويستنبط منه أحكام :

                                                الأول : أن البشر لا يعلمون ما غيب عنهم وستر في الضمائر وغيرها ، لأنه قال -عليه السلام - : "إنما أنا بشر " أي من البشر ولا أدري باطن ما تتحاكمون فيه عندي وتختصمون فيه إلي وإنما أقضي بينكم على ظاهر ما تقولون ، فإذا كان الأنبياء عليهم السلام لا يعلمون ذلك فغير جائز أن تصح دعوى غيرهم من كاهن أو منجم ، وإنما يعلم الأنبياء -عليهم السلام - من الغيب ما أعلموا به بوجه من وجوه الوحي .

                                                [ ص: 491 ] الثاني : فيه أن بعض الناس أدرى بمواضع الحجة وتصرف القول من بعض .

                                                الثالث : فيه أن القاضي إنما يقضي على الخصم بما يسمع منه من إقرار وإنكار أو ببينات على حسب ما أحكمته السنة في ذلك .

                                                وفيه : إبطال ورد للحكم بالهوى . قال أبو عمر : قد احتج بعض أصحابنا بهذا الحديث في رد حكم القاضي بعلمه.

                                                قلت : إلى هذا ذهب أحمد بن حنبل وأبو عبيد ، وهو قول شريح والشعبي : أن القاضي لا يقضي بعلمه في شيء من حقوق الناس ولا غيرها من حقوق الله إلا بالبينات أو الإقرار .

                                                وقال ابن حزم : فرض على الحاكم أن يحكم بعلمه في الدماء والقصاص والأموال والفروج والحدود ، سواء علم ذلك قبل ولايته أو بعدها ، وروي عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : "لا يحكم الحاكم بعلمه في الزنا " وصح عن الشعبي : "لا يكون شاهدا وقاضيا " .

                                                وقال مالك وابن أبي ليلى -في أحد قوليه - وأحمد وأبو عبيد ومحمد بن الحسن في أحد قوليه : لا يحكم الحاكم بعلمه في شيء أصلا ، وقال حماد بن أبي سليمان : يحكم الحاكم بعلمه بالاعتراف في كل شيء إلا في الحدود خاصة ، وبه قال ابن أبي ليلى .

                                                وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن في أحد قوليه : يحكم بعلمه في كل شيء من قصاص وغيره إلا في الحدود ، وسواء علمه قبل القضاء أو بعده ، وقال أبو حنيفة : لا يحكم بما علمه قبل ولايته أصلا ، فأما ما علمه بعدها فإنه يحكم به في كل شيء إلا في الحدود خاصة .

                                                وقال الليث لا يحكم بعلمه إلا أن يقيم الطالب شاهدا واحدا في حقوق الناس خاصة ، فيحكم القاضي حينئذ بعلمه مع ذلك الشاهد .

                                                [ ص: 492 ] وقال الحسن بن حي : كل ما علم قبل ولايته لا يحكم فيه بعلمه ، وما علم بعد ولايته حكم فيه بعلمه بعد أن يستحلفه وذلك في حقوق الناس ، وأما الزنا فإن شهد به ثلاثة والقاضي يعرف صحة ذلك حكم فيه بتلك الشهادة مع علمه .

                                                وقال الأوزاعي : إن أقام المقذوف شاهدا واحدا وعلم القاضي بذلك حد القاذف .

                                                وقال الشافعي وأبو سليمان وأبو ثور وأصحابهم كما قلنا .

                                                الرابع : فيه جواز الاجتهاد للحاكم فيما لم يكن فيه نص .

                                                الخامس : فيه جواز التحري في أداء المظالم.

                                                السادس : قال أبو عمر : فيه جواز الصلح على الإنكار خلافا للشافعي .

                                                السابع : فيه أن قضاء القاضي بالظاهر الذي يعتد به هل يحل في الباطن حراما ؟ فيه الخلاف الذي عقد له الباب ، وسيجيء مفصلا مستقصى .

                                                الثامن : جواز الاقتراع والاستهمام .

                                                التاسع : فيه استحباب توخي الحق وتحريه بعد العلم به .




                                                الخدمات العلمية