الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6426 ص: فإن احتج محتج في ذلك بما روي عن أنس - رضي الله عنه -، وهو ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد ، قال: ثنا أبو الأحوص، قال: ثنا أبو إسحاق الهمداني ، عن بريد بن أبي مريم ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: " كنا في عهد النبي -عليه السلام- ننتبذ الرطب والبسر، فلما نزل تحريم الخمر هرقناهما من الأوعية، ثم تركناهما". .

                                                6427 حدثنا نصر بن مرزوق ، قال: ثنا علي بن معبد ، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر ، قال: ثنا حميد الطويل ، عن أنس قال: "كان أبو عبيدة بن الجراح 5 وسهيل بن البيضاء ، وأبي بن كعب عند أبي طلحة - رضي الله عنهم - وأنا أسقيهم من شراب، [ ص: 51 ] حتى كاد يأخذ منهم، قال: فمر بنا مار من المسلمين، فنادى: ألا هل شعرتم أن الخمر قد حرمت، فوالله ما انتظروا أن أمروني أن أكفئ ما في الآنية ففعلت، فما عادوا في شيء منها حتى لقوا الله -عز وجل-، وإنها للبسر والتمر؛ وإنها لخمرنا يومئذ".

                                                6428 حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا عبد الله بن بكر ، قال: ثنا حميد ، عن أنس ، مثله.

                                                6429 حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال: ثنا عفان ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، قال: أنا ثابت ، وحميد ، عن أنس ، قال: " كنت أسقي أبا طلحة ، وسهيل بن بيضاء ، وأبا عبيدة بن الجراح ، وأبا دجانة ، خليط البسر والتمر حتى أسرعت فيهم، فمر رجل فنادى: ألا إن الخمر قد حرمت، ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فوالله ما انتظروا حتى يعلموا أحقا ما قال أم باطلا؟ فقال: أكفئ إناءك يا أنس ، فكفأتها، فلم ترجع إلى رءوسهم حتى لقوا الله -عز وجل-، قال: وكان خمرهم يومئذ البسر والتمر". .

                                                6430 حدثنا عبد الله بن خشيش، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم ، قال: ثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: " إني لأسقي أبا طلحة ، وأبا دجانة ، وسهيل بن بيضاء ، خليط بسر وتمر؛ إذ حرمت الخمر، فأرقتها وأنا ساقيهم يومئذ وأصغرهم، وإنا نعدها يومئذ خمرا". .

                                                قالوا: ففي هذه الآثار ما يدل على أن ذلكم أيضا خمر.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فإن استدل مستدل من أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه -من أن الخمر تكون من غير العنب أيضا- بما روي عن أنس - رضي الله عنه -؛ لأنه يخبر في أحاديثه المذكورة أن ما يعمل من التمر خمر، كالذي يعمل من العنب.

                                                وأخرجها من خمس طرق صحاح:

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن مسدد بن مسرهد شيخ البخاري وأبي داود ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني ، عن بريد -بضم الباء الموحدة وفتح الراء [ ص: 52 ] المهملة وسكون الياء آخر الحروف- ابن أبي مريم مالك بن ربيعة السلولي البصري ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن أبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن بريد بن أبي مريم ، عن أنس بن مالك قال: "كنا ننتبذ الرطب والبسر على عهد رسول الله -عليه السلام-، فلما نزل تحريم الخمر أهرقناها من الأوعية، ثم تركناها".

                                                الثاني: عن نصر بن مرزوق ، عن علي بن معبد بن شداد الرقي ، عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني ، عن حميد الطويل ، عن أنس .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا [إسماعيل بن جعفر] عن حميد ، عن أنس قال: "كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهل بن بيضاء ونفرا من أصحابه عند أبي طلحة، فأنا أسقيهم حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم، فأتى آت من المسلمين فقال: أما شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ فما قالوا: حتى ننظر ونسأل، فقالوا: يا أنس، أكفئ ما بقي في إنائك. قال: فوالله ما عادوا فيها، وما هي إلا التمر والبسر، وهي خمرهم يومئذ".

                                                الثالث: عن علي بن شيبة ، عن عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي البصري ، عن حميد ، عن أنس - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه النسائي: أنا سويد بن نصر، ثنا عبد الله ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال: "حرمت الخمر حين حرمت وإنه لشرابهم البسر والتمر".

                                                الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عفان بن مسلم الصفار ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني وحميد الطويل ، عن أنس .

                                                [ ص: 53 ] وأخرجه أبو يعلى: عن أبي الربيع ، عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس قال: "كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر، فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فجرت في سكك المدينة، فقال أبو طلحة: اخرج فأرقها. قال: فأهرقتها...." الحديث.

                                                الخامس: عن عبد الله بن محمد بن خشيش -بالمعجمات وضم الأول- عن مسلم بن إبراهيم القصاب شيخ البخاري وأبي داود ، عن هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن أنس .

                                                وأخرجه مسلم: عن يحيى بن أيوب ، عن ابن علية ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال: "كنت أسقي أبا طلحة وأبا دجانة ومعاذ بن جبل في رهط من الأنصار، فدخل علينا داخل فقال: حدث خبر، نزل تحريم الخمر، فأكفأناها يومئذ وإنها لخليط البسر والتمر".

                                                وأخرجه أيضا: عن أبي غسان وابن مثنى وابن بشار ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه، عن قتادة ، عن أنس قال: "إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل ابن بيضاء من مزادة فيها خليط بسر وتمر...." بنحو حديث سعيد .

                                                وأخرجه البخاري: ثنا مسلم، ثنا هشام، نا قتادة ، عن أنس قال: "إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن البيضاء خليط بسر وتمر؛ إذ حرمت الخمر، فقذفتها وأنا ساقيهم وأصغرهم، وإنا نعدها يومئذ الخمر".

                                                قوله: "كنا ننبذ" بفتح النون، من نبذت التمر والعنب: إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا، وانتبذته: اتخذته نبيذا، وروي في رواية ابن أبي شيبة: "كنا ننتبذ" وفي رواية الطحاوي: "كنا ننبذ" وكلاهما صحيح.

                                                [ ص: 54 ] قوله: "هرقناهما" أي أرقناهما من الإراقة، والهاء قد تبدل من الهمزة، وفي

                                                رواية ابن أبي شيبة: "أهرقناهما" أي أرقناهما، والهاء زائدة.

                                                قوله: "من الأوعية" جمع وعاء، وهي الظرف.

                                                قوله: "أن أكفئ" من كفأت القدر إذا كببتها لتفرغ ما فيها، وقال ابن الأثير: يقال: كفأت الإناء، وأكفأته إذا كببته وإذا أملته.

                                                قوله: "وإنها للبسر" أي وإن الخمر للبسر والتمر، و"اللام" فيه للتأكيد.

                                                قوله: "إني لأسقي أبا طلحة" اللام فيه للتأكيد. وأبو طلحة اسمه زيد بن سهل الأنصاري .

                                                وأبو دجانة اسمه سماك بن خرشة الأنصاري، قتل يوم اليمامة، وهو أحد من قتل مسيلمة الكذاب .




                                                الخدمات العلمية