الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19932 8750 - (20445) - (5\44) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: وفدت مع أبي إلى معاوية بن أبي سفيان، فأدخلنا عليه، فقال: يا أبا بكرة، حدثني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: " أيكم رأى رؤيا؟ " فقال رجل: أنا يا رسول الله، رأيت كأن ميزانا دلي من السماء، فوزنت أنت بأبي بكر فرجحت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر، فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان، فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان، فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء "، قال عفان فيه: فاستآلها، وقال حماد: فساءه ذلك.

التالي السابق


* قوله : "دلي": - بالتشديد - على بناء المفعول - أي: أرسل.

* "فوزنت": على بناء المفعول.

* "فرجحت": - على بناء الفاعل - من الرجحان.

* "ثم رفع الميزان": قال ابن العربي في "شرح الترمذي": رفع الميزان دليل على أنه ليس هناك من يستحق أن يقرن بمن تقدم، ثم استشهد على ذلك بحديث ابن عمر: "كنا لا نعدل بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان" الحديث، وقال في سبب الكراهة: إنه صلى الله عليه وسلم كره وقوف التخيير وحصر درجات الفضائل في ثلاثة، ورجا أن [ ص: 165 ] يكون في أكثر من ذلك، فاعلمه الله تعالى أن التفضيل انتهى إلى المذكور، فساءه ذلك، وحمد الله تعالى على ما وهبه، انتهى.

قلت: وهذا مبني على تأويل الرؤيا بالأفضلية، ويلزم منه خروج علي عن دائرة الأفضلية، وهو خلاف ما عليه العلماء، ولهذا أول الخطابي حديث ابن عمر بأنه أراد: الشيوخ وذوي الأسنان، وقد يؤول بأن المراد: هم الذين فازوا بفضل الصحبة فقط، لا من فاز بالصحبة والقرابة؛ كعلي، وأيضا هذا التأويل يخالف تأويله صلى الله عليه وسلم بخلافة النبوة، فالوجه ما قيل في "رفع الميزان": أن خلافة النبوة مع اتفاق الأمة عليها انتهت إلى عثمان، وصارت في وقت علي مشوبة بدعوى الملك في الجملة إلى أن ارتفعت الخلافة، وبقي الملك المحض.

* "فاستاء لها": قيل: يحتمل أنه افتعال من السوء مطاوع ساءه فاستاء، و"لها" جار ومجرور، والضمير للرؤية؛ أي: اغتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الرؤية، ويحتمل أنه استفعال من الأول؛ أي: طلب تأويلها بالتأمل والنظر، فقال: "خلافة نبوة" ولذلك قيل: الفرق بين الروايتين، أشار إليهما الإمام في "المسند": أن أحدهما افتعال من السوء، والآخر استفعال من الأول.

* * *




الخدمات العلمية