الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              301 [ 154 ] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله تبارك وتعالى في إبراهيم : رب إنهن أضللن كثيرا من الناس الآية [ إبراهيم : 36 ] ، وقال عيسى : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ المائدة : 118 ] فرفع يديه وقال : اللهم ! أمتي . أمتي وبكى ، فقال الله تبارك وتعالى : يا جبريل ! اذهب إلى محمد ، وربك أعلم ، فسله : ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل فسأله ، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال ، وهو أعلم . فقال الله : يا جبريل ! اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .

                                                                                              رواه مسلم ( 202 ) ,

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " وقال عيسى : إن تعذبهم " ) هو مصدر معطوف على قوله : " وتلا قول الله . والعرب تقول : قال يقول قولا وقالا وقيلا ، فكأنه قال : وتلا قول عيسى . ومعنى هاتين الآيتين أن كل واحد من إبراهيم وعيسى لم يجزما في الدعاء لعصاة أممهما ، ولم يجهدا أنفسهما في ذلك ، ولم يكن عندهما من فرط الشفقة ما كان ينبغي لهما . ألا ترى أنهما في الآيتين كأنهما تبرآ من عصاة أممهما ، ولما فهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ذلك ; انبعث بحكم ما يجده من شدة شفقته ورأفته وكثرة حرصه [ ص: 455 ] على نجاة أمته ، وبحكم ما وهبه الله تعالى من رفعة مقامه على غيره ، جازما في الدعاء مجتهدا فيه لهم متضرعا باكيا ملحا يقول : أمتي أمتي ، فعل المحب المستهتر بمحبوبه ، الحريص على ما يرضيه ، الشفيق عليه ، اللطيف به ، ثم لم يزل كذلك حتى أجابه الله فيهم ، وبشره بما بشره من مآل حالهم ، حيث قال له تعالى : " إنا سنرضيك في أمتك " ، وهو معنى قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى [ الضحى : 5 ] .

                                                                                              قال بعض العلماء : والله ما يرضى محمد وواحد من أمته في النار . وهذا كله يدل على أن الله تعالى خص نبينا - صلى الله عليه وسلم - من كرم الخلق ، ومن طيب النفس ، ومن مقام الفتوة بما لم يخص به أحدا غيره ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم [ القلم : 4 ] ، وبقوله : لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية [ التوبة : 128 ] ، صلى الله عليه أفضل ما صلى على أحد من خليقته ، وجازاه عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته .

                                                                                              وأمر الله تعالى جبريل بأن يسأل نبينا عليه الصلاة والسلام عن سبب بكائه ; ليعلم جبريل تمكن نبينا في مقام الفتوة ، وغاية اعتنائه بأمته - صلى الله عليه وسلم - .




                                                                                              الخدمات العلمية