الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4446 [ 2331 ] وعنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه، حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال: أثم لكع؟ أثم لكع؟ حتى جاء - يعني حسنا - فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا، فلم يلبث أن جاء يسعى، حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه".

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 331 )، والبخاري (2122)، ومسلم (2421) (57)، وابن ماجه (143).

                                                                                              [ 2332 ] وعن البراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن بن علي على عاتقه وهو يقول: "اللهم إني أحبه فأحبه".

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 283 -284) و ( 4 \ 292 )، والبخاري (3749)، ومسلم (2422) (59)، والترمذي (3783).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله: " حتى أتى خباء فاطمة ") أي: بيتها، وأصل الخباء: ما يخبأ فيه، وقد صار بحكم العرف العربي عبارة عن بيوت الأعراب.

                                                                                              و (قوله صلى الله عليه وسلم للحسن : " أثم لكع ؟ ") يعني به: الصغير، وهي لغة بني تميم ، وسئل ابن جرير عن اللكع، فقال: هو الصغير في لغتنا، وأصل هذه الكلمة: أنها تستعمل للتحقير، والتجهيل، واللكع: العبد الوغد، والقليل العقل، ويقال للأنثى: لكعاء، ويعدل به في النداء إلى لكاع، وقد تقدم القول فيه. ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ممازحا بذلك اللفظ، ومؤنسا كما يقول الرجل لابنه الصغير: تعال يا كليب، وكما قالت العربية لابنها وهي ترقصه: حزقة عين بقة.

                                                                                              والسخاب: خيط فيه خرز ينظم، ويجعل في عنق الصبيان، والسخاب مأخوذ من السخب، وهو اختلاط الأصوات، وارتفاعها، وكأن هذه الخرزات لها أصوات مختلفة عند احتكاك بعضها مع البعض، وقيل: السخاب من القلائد: ما اتخذ من القرنفل، والمسك، والعود وشبهه، دون الجوهر.

                                                                                              وفيه من الفقه: المحافظة على النظافة، وعلى تحسين الصغار، وتزيينهم، وخصوصا عند لقاء من يعظم ويحترم.

                                                                                              [ ص: 300 ] و (قوله: " حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه ") فيه ما يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته بالصغار، وإكرامه ومحبته للحسن، ولا خلاف - فيما أحسب - في جواز عناق الصغار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اختلف في عناق الكبير في حالة السلام، وكرهه مالك ، وأجازه سفيان بن عيينة ، وغيره، واحتج سفيان على مالك في ذلك بعناق النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا لما قدم عليه، فقال مالك : ذلك مخصوص بجعفر . وقال سفيان : ما يخص جعفرا يعمنا، فسكت مالك ، ويدل سكوت مالك على أنه ظهر له ما قاله سفيان من جواز ذلك. قال القاضي عياض : وهو الحق حتى يدل دليل على تخصيص جعفر بذلك.

                                                                                              والعاتق: ما بين المنكب إلى العنق، وقيل: هو موضع الرداء من المنكب.

                                                                                              وفيه من الفقه ما يدل على: جواز حمل الصبيان، وترك التعمق في التحفظ مما يكون منهم من المخاط والبول، وغير ذلك، فلا يجتنب من ذلك إلا ما ظهرت عينه، أو تحقق، أو تفاحش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعملون على مقتضى الحنيفية السمحة، فيمشون حفاة في الطين، ويجلسون بالأرض، وتكون عليهم الثياب الوسخة التي ليست بنجسة، [ ص: 301 ] ويلعقون أصابعهم، والقصعة عند الأكل، ولا يعيبون شيئا من ذلك، ولا يتوسوسون فيه، وكل ذلك رد على غلاة متوسوسة الصوفية اليوم، فإنهم يبالغون في نظافة الظواهر والثياب، وبواطنهم وسخة خراب.




                                                                                              الخدمات العلمية