الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              429 [ 219 ] وعن أنس بن مالك ; قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي ، فقام يبول في المسجد . فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مه مه . قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تزرموه ، دعوه " فتركوه حتى بال . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، إنما هي لذكر الله ، والصلاة ، وقراءة القرآن ، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : فأمر رجلا من القوم ، فجاء بدلو من ماء ، فشنه عليه .

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 191 ) ، والبخاري ( 6025 ) ، ومسلم ( 284 ) ، والنسائي ( 1 \ 48 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " مه مه ") هي : اسم من أسماء الأفعال ، بمعنى كف ، وهي ساكنة الهاء ، ويقال : به به بالباء بدل الميم ، فإن وصلته نونت مه مه ، ويقال : مهمهت به ; أي زجرته .

                                                                                              و " لا تزرموه " : بتقديم الزاي ، أي : لا تقطعوا عليه بوله ، يقال : زرم بوله ، [ ص: 544 ] بكسر الراء ; أي : انقطع ، وأزرمه غيره إزراما . وفي الحديث : " لا تزرموا " أي : لا تقطعوا عليه بوله . ويحتمل أمره بتركه أن يكون لئلا تنتشر النجاسة وتكثر ، ولئلا يضره قطعه ، وليرفق به .

                                                                                              وقد فرقت الشافعية بين ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة على الماء تمسكا بهذا الحديث ، وبقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " .

                                                                                              فقالوا : إذا كان الماء دون القلتين فحلت به نجاسة تنجس ، وإن لم تغيره ، وإن ورد ذلك القدر فأقل على النجاسة فأذهب عينها بقي الماء على طهارته ، وأزال النجاسة ، وهذه مناقضة ; إذ المخالطة قد حصلت في الصورتين ، وتفريقهم بورود الماء على النجاسة وورودها عليه فرق صوري ليس فيه من الفقه شيء ، وليس الباب من باب التعبدات ، بل هو من باب عقلية المعاني ، فإنه من باب إزالة النجاسة وأحكامها ، ثم هذا كله منهم يرده قوله - عليه الصلاة والسلام - : " الماء طهور لا ينجسه شيء ، إلا ما غير لونه أو رائحته أو طعمه " .

                                                                                              و (قوله : " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ") حجة لمالك في منع إدخال الميت المسجد وتنزيهها عن الأقذار جملة ، فلا يقص فيها شعر ، ولا ظفر ، ولا يتسوك فيها ; لأنه من باب إزالة القذر ، ولا يتوضأ فيها ، ولا يؤكل فيها طعام منتن الرائحة ، إلى غير ذلك مما في هذا المعنى .

                                                                                              [ ص: 545 ] و (قوله : " إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ") حجة لمالك : في أن المساجد لا يفعل فيها شيء من أمور الدنيا ، إلا أن تدعو ضرورة أو حاجة إلى ذلك ، فيتقدر بقدر الحاجة فقط ، كنوم الغريب فيه وأكله .

                                                                                              و (قوله : " فجاء بدلو من ماء فشنه عليه ") يروى بالسين وبالشين ; أي : صبه ، وفرق بعضهم بينهما فقال : السين مهملة : صب في سهولة ، ومعجمة : صب في تفريق ، ومنه حديث عمر : " كان يسن الماء على وجهه ولا يشنه " ، وفيه حجة للجمهور : على أن النجاسة لا يطهرها الجفوف بل الماء ، خلافا لأبي حنيفة .




                                                                                              الخدمات العلمية