الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4797 (7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

                                                                                              [ 2580 ] عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة . قال: وعرشه على الماء" .

                                                                                              رواه مسلم (2653) (16)، والترمذي (2157).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (7) ومن باب : كتب الله المقادير قبل الخلق

                                                                                              وكل شيء بقدر

                                                                                              (قوله : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ") أي : أثبتها في اللوح المحفوظ ، كما قلناه آنفا ، أو فيما شاء ، فهو [ ص: 669 ] توقيت للكتب لا للمقادير ، لأنها راجعة إلى علم الله تعالى وإرادته ، وذلك قديم لا أول له ، ويستحيل عليه تقديره بالزمان ؛ إذ الحق سبحانه وتعالى بصفاته موجود ، ولا زمان ولا مكان ، وهذه الخمسون ألف سنة ستون تقديرية ؛ إذ قبل خلق السماوات لا يتحقق وجود الزمان ؛ فإن الزمان الذي يعبر عنه بالسنين والأيام والليالي ؛ إنما هو راجع إلى أعداد حركات الأفلاك ، وسير الشمس والقمر في المنازل والبروج السماوية ، فقبل السماوات لا يوجد ذلك ، وإنما يرجع ذلك إلى مدة في علم الله تعالى لو كانت السماوات موجودة فيها لعددت بذلك العدد ، وهذا نحو مما قاله المفسرون في قوله تعالى : خلق السماوات والأرض في ستة أيام [الأعراف: 54] أي : في مقدار ستة أيام ، ثم هذه الأيام كل يوم منها مقدار ألف سنة من سني الدنيا ، كما قال تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [الحج: 47] وكقوله : في يوم كان مقداره ألف سنة [السجدة: 47] هذا قول ابن عباس وغيره من سلف المفسرين على ما رواه الطبري في تاريخه عنهم ، ويحتمل أن يكون ذكر الخمسين ألفا جاء مجيء الإغياء في التكثير ، ولم يرد عين ذلك العدد ، فكأنه قال : كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق هذا العالم بآماد كثيرة ، وأزمان عديدة ، وهذا نحو مما قلناه في قوله تعالى : إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم [التوبة: 80] والأول أظهر وأولى .

                                                                                              و (قوله : " وعرشه على الماء ") أي : قبل خلق السماوات والأرض . حكي عن كعب الأحبار أن أول ما خلق الله تعالى ياقوتة خضراء ، فنظر إليها بإلهيته فصارت ماء ثم وضع عرشه على الماء . قال ابن عباس في قوله تعالى : وكان عرشه على الماء أي : فوق الماء ؛ إذ لم يكن سماء ولا أرض .

                                                                                              قلت : أقوال المفسرين كثيرة ، والمسند المرفوع منها قليل ، وكل ذلك [ ص: 670 ] ممكن ، والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك . والذي نعلمه قطعا : أن الله تعالى قديم ، لا أول لوجوده ، فكان موجودا وحده ، ولا موجود سواه ، ثم اخترع بقدرته وإرادته ما سبق في علمه ، ونفذت به مشيئته ، كما شاء ومتى شاء ، والذي نعلم استحالته قطعا : أزلية شيء غير الله تعالى من عرش ، أو كرسي ، أو ماء ، أو هواء ، أو أرض ، أو سماء ؛ إذ كل ذلك ممكن في نفسه ، وكل موجود ممكن محدث ؛ ولأن كل ذلك لا يخلو عن الحوادث ، وما لا يخلو عن الحوادث حادث على ما تعرف حقيقته في موضعه ؛ ولأنه المعلوم الضروري من الشرع ، فمن شك فيه أو جحده ، فهو كافر ، ومما يعلم استحالته : كون العرش حاملا لله تعالى ، وأن الله تعالى مستقر عليه كاستقرار الأجسام ؛ إذ لو كان محمولا لكان محتاجا فقيرا لما يحمله ، وذلك ينافي وصف الإلهية ؛ إذ أخص أوصاف الإله : الاستغناء المطلق ، ولو كان ذلك للزم كونه جسما مقدرا ، ويلزم كونه حادثا على ما سبق ؛ فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى [طه: 5] قيل : له محامل واضحة ، وتأويلات صحيحة ، غير أن الشرع لم يعين لنا محملا من تلك المحامل ، فيتوقف في التعيين ويسلك مسلك السلف الصالح في التسليم .




                                                                                              الخدمات العلمية