الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    11 - ( فصل )

                    ومن أنواع الفراسة : ما أرشدت إليه السنة النبوية من التخلص من المكروه بأمر سهل جدا ، من تعريض بقول أو فعل .

                    فمن ذلك : ما رواه الإمام أحمد في مسنده " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { قال رجل : يا رسول الله ، إن لي جارا يؤذيني ، قال : انطلق ، فأخرج متاعك إلى الطريق ، فانطلق ، فأخرج متاعه . فاجتمع الناس إليه . فقالوا : ما شأنك ؟ فقال : إن لي جارا يؤذيني . فجعلوا يقولون : اللهم العنه ، اللهم أخرجه . فبلغه ذلك ، فأتاه فقال : ارجع إلى منزلك ، فوالله لا أوذيك أبدا } فهذه وأمثالها هي الحيل التي أباحتها الشريعة .

                    وهي تحيل الإنسان بفعل مباح على تخلصه من ظلم غيره وأذاه ، لا الاحتيال على إسقاط فرائض الله واستباحة محارمه . وفي " المسند " والسنن عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أحدث في صلاته فلينصرف ، فإن كان في صلاة جماعة فليأخذ بأنفه ولينصرف } . وفي السنة كثير من ذكر المعاريض التي لا تبطل حقا ، ولا تحق باطلا كقوله صلى الله عليه وسلم للسائل { ممن [ ص: 34 ] أنتم ؟ قالوا : نحن من ماء } .

                    وقوله للذي ذهب بغريمه ليقتله { إن قتله فهو مثله } ( ) ، وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها وكان الصديق رضي الله عنه يقول في سفر الهجرة لمن يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من هذا بين يديك " فيقول : " هاد يدلني على الطريق " .

                    وكذلك الصحابة من بعده . فروى زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلل من اليمن ، فقسمها بين الناس ، فرأى فيها حلة رديئة ، فقال : كيف أصنع بهذه ؟ إن أعطيتها أحدا لم يقبلها ، فطواها وجعلها تحت مجلسه . وأخرج طرفها ، ووضع الحلل بين يديه ، فجعل يقسم بين الناس . فدخل [ ص: 35 ] الزبير وهو على تلك الحال ، فجعل ينظر إلى تلك الحلة ، فقال : ما هذه الحلة ؟ فقال عمر : دعها عنك ، قال : ما شأنها ؟ قال : دعها . قال : فأعطنيها . قال : إنك لا ترضاها ، قال : بلى ، قد رضيتها . فلما توثق منه ، واشترط عليه ألا يردها ، رمى بها إليه ، فلما نظر إليها إذ هي رديئة ، قال : لا أريدها ، قال عمر : هيهات ، قد فرغت منها . فأجازها عليه ، ولم يقبلها .

                    وقال عبد الله بن سلمة : سمعت عليا يقول : " لا أغسل رأسي بغسل حتى آتي البصرة فأحرقها ، وأسوق الناس بعصاي إلى مصر " فأتيت أبا مسعود البدري ، فأخبرته فقال : " إن عليا يورد الأمور موارد لا تحسنون تصديرها ، علي لا يغسل رأسه بغسل ، ولا يأتي البصرة ، ولا يحرقها ، ولا يسوق الناس عنها بعصاه ، علي رجل أصلع إنما على رأسه مثل الطست إنما حوله شعرات " ومن ذلك : تعريض عبد الله بن رواحة لامرأته بإنشاد شعر يوهم أنه يقرأ ، ليتخلص من أذاها له حين واقع جاريته .

                    وتعريض محمد بن مسلمة لكعب بن الأشرف حين أمنه بقوله : " إن هذا الرجل قد أخذنا بالصدقة وقد عنانا .

                    وتعريض الصحابة لأبي رافع اليهودي . [ ص: 36 ]

                    12 - ( فصل )

                    ومن ذلك : قول عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه - وقد أقيم على دكان بعد صلاة الجمعة - فقام على الدكان ، وقال : إن الأمير أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب ، فالعنوه . لعنه الله .

                    ومن ذلك : تعريض الحجاج بن علاط ، بل تصريحه لامرأته ، بهزيمة الصحابة وقتلهم ، حتى أخذ ماله منها .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية