الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وروى الخلال في الأدب عن علي بن الحسين رحمه الله ورضي عن أبيه قال : ينبغي للمرء أن لا يصاحب خمسة : الماجن والكذاب ، والأحمق والبخيل ، والجبان فأما الماجن فعيب إن دخل عليك ، وعيب إن خرج من عندك ، لا يعين على معاد ويتمنى أنك مثله ، وأما الكذاب فإنه ينقل حديث هؤلاء إلى هؤلاء ، ويلقي الشحنة في الصدور وأما الأحمق فإنه لا يرشد لسوء يصرفه عنك ، وربما أراد أن ينفعك فيضرك فبعده خير من قربه وموته خير من حياته ، وأما البخيل فأحوج ما تكون إليه أبعد ما تكون منه ، ففي أشد حالاته يهرب ويدعك . .

ورواه القاضي المعافى بن زكريا وغيره بنحوه ومعناه .

إلا أنهم لم يذكروا الماجن والجبان [ ص: 574 ] وذكروا الفاسق قال فإنه بائعك بأكلة أو أقل منها للطمع فيها ، ثم لا ينالها وقاطع رحمه ; لأنه ملعون في كتاب الله في البقرة والرعد والذين كفروا .

وقال الربيع سمعت الشافعي رحمه الله يقول ثلاثة إن أهنتهم أكرموك وإن أكرمتهم أهانوك المرأة والمملوك والنبطي وقال أيضا سمعت الشافعي رحمه الله يقول ما رفعت أحدا قط فوق قدره إلا غض مني بقدر ما رفعت منه وقال ابن الجوزي في كشف المشكل في الخبر الأول من مسند عمر من أفراد البخاري في قول ابن عمر ما سمعت عمر يقول الشيء قط أظنه كذا إلا كان كما يظن : وذكر الحديث قال صحة الظن من قوة الذكاء والفطنة فإن الفطن يرى من السمات والأمارات ما يستدل به على الخفي .

وقد قال بعض العلماء ظن العاقل كهانة وقال آخر : إذا رأيت الرجل موليا علمت قيل فإن رأيت وجهه قال ذاك حين أقرأ ما في قلبه كالخط قال ابن الجوزي وقد كانوا يعتبرون أحوال الرجل بخلقه .

قال الشافعي رحمه الله احذر الأعور والأحول والأعرج والأحدب والكوسج وكل من به عاهة في بدنه وكل ناقص الخلق فإنهم أصحاب خبث وقال مررت في طريقي بفناء دار رجل أزرق العين ناتئ الجبهة [ ص: 575 ] سناط فقلت هل من منزل قال نعم قال الشافعي وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة فأنزلني وأكرمني فقلت أغسل كتب الفراسة إذا رأيت هذا فلما أصبحت قلت له إذا قدمت مكة فسل عن الشافعي فقال أمولى لأبيك كنت قلت لا قال أين ما تكلفت لك البارحة ؟ فوزنت له ما تكلف وقلت بقي شيء آخر ؟ قال كراء الدار ضيقت على نفسي ، فوزنت له فقال امض أخزاك الله فما رأيت شرا منك .

وروى الحاكم في تاريخه عن المزني أنه قيل له فلان يبغضك فقال ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة وقال الأصمعي قال أبو عمرو بن العلاء يا عبد الملك كن من الكريم على حذر إذا أهنته ومن اللئيم إذا أكرمته ومن العاقل إذا أحرجته ، ومن الأحمق إذا مازحته ومن الفاجر إذا عاشرته وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك أو تسأل من لا يجيبك أو تحدث من لا ينصت لك وقال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول حمل المنن أثقل من الصبر على العدم وقال ابن نباتة :

ما الذل إلا تحمل المنن فكن عزيزا إن شئت أو فهن

وأنشد غلام هاشمي لنفطويه :

كم صديق منحته صفو ودي     فجفاني وملني وقلاني
مل ما مل ثم عاود وصلي     بعدما مل صحبة الإخوان

وفي هذا المعنى أشعار كثيرة والبيت السائر في هذا المعنى .

وقال آخر [ ص: 576 ]

عتبت على بشر فلما جفوته     وصاحبت أقواما بكيت على بشر



وقال آخر :

عتبت على سعد فلما فقدته     وجربت أقواما بكيت على سعد

وقال آخر :

ونعتب أحيانا عليه ولو مضى     لكنا على الباقي من الناس أعتبا

.

التالي السابق


الخدمات العلمية