الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب صيام يوم وفطر يوم وكراهة صوم الدهر

                                                                                                                                            1739 - ( عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { صم في كل شهر ثلاثة أيام قلت : إني أقوى من ذلك ، فلم يزل يرفعني حتى قال : صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام ، وهو صوم أخي داود عليه السلام } ) .

                                                                                                                                            1740 - ( وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا صام من صام الأبد } متفق عليهما ) .

                                                                                                                                            1741 - ( وعن أبي قتادة قال : { قيل : يا رسول الله كيف بمن صام الدهر ؟ قال : لا صام ولا أفطر ، أو لم يصم ولم يفطر } رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            [ ص: 302 ] وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه } . رواه أحمد . ويحمل هذا على من صام الأيام المنهي عنها )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            . حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة ، ولفظ ابن حبان : { ضيقت عليه جهنم هكذا ، وعقد تسعين } وأخرجه أيضا البزار والطبراني .

                                                                                                                                            قال في مجمع الزوائد : ورجاله رجال الصحيح .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عبد الله بن الشخير عن أحمد وابن حبان بلفظ : { من صام الأبد فلا صام ولا أفطر } . وعن عمران بن حصين أشار إليه الترمذي قوله : ( فإنه أفضل الصيام ) مقتضاه أن الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة ، وسيأتي البحث عن ذلك . قوله : ( لا صام من صام الأبد ) استدل به على كراهية صوم الدهر . قال ابن التين : استدل على الكراهية من وجوه : نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة ، وأمره بأن يصوم ويفطر وقوله : " لا أفضل من ذلك " ودعاؤه على من صام الأبد وقيل معنى قوله : " لا صام " النفي : أي ما صام كقوله تعالى { فلا صدق ولا صلى } ويدل على ذلك ما عند مسلم من حديث أبي قتادة بلفظ : " ما صام وما أفطر " وما عند الترمذي بلفظ : " لم يصم ولم يفطر " قال في الفتح أي لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر ; لأنه أمسك وإلى كراهة صوم الدهر مطلقا ذهب إسحاق وأهل الظاهر وهو رواية عن أحمد . وقال ابن حزم : يحرم ، ويدل للتحريم حديث أبي موسى المذكور في الباب لما فيه من الوعيد الشديد . وذهب الجمهور كما في الفتح إلى استحباب صومه .

                                                                                                                                            وأجابوا عن حديث ابن عمرو وحديث قتادة بأنه على من كان يدخل على نفسه مشقة أو يفوت حقا ، قالوا : ولذلك لم ينه عليه السلام حمزة بن عمرو الأسلمي ، وقد قال له : " يا رسول الله إني أسرد الصوم " ويجاب عن هذا بأن سرد الصوم لا يستلزم صوم الدهر ، بل المراد أنه كان كثير الصوم كما وقع في رواية الجماعة المتقدمة في باب الفطر والصوم في السفر . ويؤيد عدم الاستلزام ما أخرجه أحمد من حديث أسامة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم مع ما ثبت أنه لم يصم شهرا كاملا إلا رمضان } . وأجابوا عن حديث أبي موسى بحمله على من صامه . جميعا ولم يفطر الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق ، وهذا هو اختيار ابن المنذر وطائفة . وأجيب عنه بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا صام ولا أفطر لمن سأله عن صوم الدهر أن معناه : أنه لا أجر له ولا إثم عليه ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك ; لأنه أثم بصومها بالإجماع . وحكى الأثرم عن مسدد أنه قال : معنى حديث أبي موسى : [ ص: 303 ] ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها " وحكى مثله ابن خزيمة عن المزني ورجحه الغزالي والملجئ إلى هذا التأويل أن من ازداد لله عملا صالحا ازداد عنده رفعة وكرامة قال في الفتح : تعقب بأن ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا ، بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدا كالصلاة في الأوقات المكروهة انتهى . وأيضا لو كان المراد ما ذكروه لقال : ضيقت عنه واستدلوا على الاستحباب بما وقع في بعض طرق حديث عبد الله بن عمر بلفظ : { فإن الحسنة بعشرة أمثالها } وذلك مثل صيام الدهر ، وبما تقدم في حديث { من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر } وبما تقدم في صيام أيام البيض أنه مثل صوم الدهر .

                                                                                                                                            قالوا : والمشبه به أفضل من المشبه ، فكان صيام الدهر أفضل من هذه المشبهات فيكون مستحبا وهو المطلوب قال الحافظ : وتعقب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي جواز المشبه به فضلا عن استحبابه وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلثمائة وستين يوما ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه واختلف المجوزون لصيام الدهر هل هو أفضل ، أو صيام يوم وإفطار يوم ؟ فذهب جماعة منهم إلى أن صوم الدهر أفضل واستدلوا على ذلك بأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا وتعقبه ابن دقيق العيد بأن زيادة الأجر بزيادة العمل ههنا معارضة باقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى ، فالأولى التفويض إلى حكم الشارع وقد حكم بأن صوم يوم وإفطار يوم أفضل الصيام هذا معنى كلامه ومما يرشد إلى أن صوم الدهر من جملة الصيام المفضل عليه صوم يوم وإفطار يوم " أن ابن عمر طلب أن يصوم زيادة على ذلك المقدار فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أفضل الصيام " .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية