الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الذبح وما يجب له وما يستحب 3630 - ( عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول { : لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من آوى محدثا ، ولعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من غير تخوم الأرض } رواه أحمد ومسلم والنسائي ) .

                                                                                                                                            3631 - ( وعن عائشة : { أن قوما قالوا : يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : سموا عليه أنتم وكلوا ، قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر } . رواه البخاري والنسائي وابن ماجه ، وهو دليل على أن التصرفات [ ص: 158 ] والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد ) .

                                                                                                                                            3632 - ( وعن ابن كعب بن مالك عن أبيه : { أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع ، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا ، فكسرت حجرا فذبحتها به ، فقال لهم : لا تأكلوا حتى أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أرسل إليه من يسأله عن ذلك وأنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك أو أرسل إليه فأمره بأكلها } . رواه أحمد والبخاري ، قال : وقال عبيد الله : يعجبني أنها أمة وأنها ذبحت بحجر ) .

                                                                                                                                            3633 - ( وعن زيد بن ثابت : { أن ذئبا نيب في شاة فذبحوها بمروة ، فرخص لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أكلها } . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            3634 - ( وعن عدي بن حاتم قال : { قلت : يا رسول الله إنا نصيد فلا نجد سكينا إلا الظرار وشقة العصا ، فقال : أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله عليه } رواه الخمسة إلا الترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث زيد بن ثابت رجاله رجال الصحيح إلا حاضر بن المهاجر فقيل هو مجهول ، وقيل : مقبول . وقد أخرج معناه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط عن ابن عمر بإسناد صحيح .

                                                                                                                                            وحديث عدي بن حاتم أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان ، ومداره على سماك بن حرب عن مري بن قطري عنه . قوله : ( لعن الله من ذبح لغير الله المراد به أن يذبح لغير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى عليهما السلام أو للكعبة ونحو ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو كافرا ) . وإليه ذهب الشافعي وأصحابه ، فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرا ، فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا . وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحاب الشافعي أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله . قال الرافعي : هذا إنما يذبحونه استبشارا بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - . قوله : ( محدثا ) بكسر الدال هو من يأتي لما فيه فساد في الأرض من جناية على غيره أو غير ذلك ، والمؤدي له : المانع له من القصاص ونحوه . [ ص: 159 ] ولعن الوالدين من الكبائر . وتخوم الأرض بالتاء المثناة من فوق والخاء المعجمة : وهي الحدود والمعالم ، وظاهره العموم في جميع الأرض ، وقيل : معالم الحرم خاصة ، وقيل : في الأملاك ، وقيل : أراد المعالم التي يهتدى بها في الطرقات . قوله : ( إن قوما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ) قال في الفتح : لم أقف على تعيينهم . قوله : ( فقال : سموا عليه أنتم ) قال المهلب : هذا الحديث أصل في أن التسمية ليست فرضا ، فلما نابت تسميتهم عن التسمية على الذبح دل على أنها سنة لأن السنة لا تنوب عن فرض هذا على أن الأمر في حديث عدي وأبي ثعلبة محمول على التنزيه من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية فعلمهما النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الصيد والذبح فرضه ومندوبه لئلا يوافقا شبهة في ذلك وليأخذا بأكمل الأمور .

                                                                                                                                            وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع لغيرهم فعرفهم بأصل الحل فيه . وقال ابن التين : يحتمل أن يراد التسمية هنا عند الأكل ، وبذلك جزم النووي . قال ابن التين : وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم فلا تكليف عليهم فيه وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها ، ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها كل ما لم تعلموا أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمى . ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة ، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية ، وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر فقال : إن ما ذبحه المسلم يؤكل ويحمل على أنه سمى ; لأن المسلم لا يظن به في كل شيء إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك ، وعكس هذا الخطابي فقال فيه : دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة ; لأنها لو كانت شرطا لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه كما لو عرض الشك في نفس الذبيحة فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أم لا .

                                                                                                                                            وهذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه سموا أنتم ، كأنه قيل لهم : لا تهتموا بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا ، وهذا من الأسلوب الحكيم كما نبه عليه الطيبي . ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى: { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } فأباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا قوله : ( وكانوا حديثي عهد بالكفر ) في رواية لمالك " وذلك في أوائل الإسلام " وقد تعلق بهذه الزيادة قوم فزعموا أن هذا الجواب كان قبل نزول قوله تعالى: { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال ابن عبد البر : وهو تعلق ضعيف .

                                                                                                                                            وفي الحديث نفسه ما يرده لأنه أمرهم فيه بالتسمية عند الأكل فدل على أن الآية كانت نزلت بالأمر بالتسمية .

                                                                                                                                            وأيضا فقد اتفقوا على أن الأنعام مكية وأن هذه القصة جرت بالمدينة ، وأن الأعراب المشار إليهم في الحديث هم بادية أهل المدينة . قوله : ( جارية ) في رواية " أمة " وفي رواية " امرأة " ولا تناف بين الروايات لأن [ ص: 160 ] الرواية الأخيرة أعم فيؤخذ بقول من زاد في روايته صفة وهي كونها أمة قوله : ( فأمره بأكلها ) فيه دليل على أنها تحل ذبيحة المرأة ، وإليه ذهب الجمهور . وقد نقل محمد بن عبد الحكم عن مالك كراهته وفي المدونة جوازه .

                                                                                                                                            وفي وجه للشافعية يكره ذبح المرأة الأضحية .

                                                                                                                                            وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم النخعي أنه قال في ذبيحة المرأة والصبي : لا بأس إذا أطاق الذبيحة وحفظ التسمية .

                                                                                                                                            وفيه جواز ما ذبح بغير إذن مالكه ، وإليه ذهب الجمهور ، وخالف في ذلك طاوس وعكرمة وإسحاق وأهل الظاهر ، وإليه جنح البخاري . ويدل ما ذهبوا إليه ما أخرجه أحمد وأبو داود بسند قوي من طريق عاصم بن كليب عن أبيه في قصة { الشاة التي ذبحتها المرأة بغير إذن صاحبها ، فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكلها لكنه قال : أطعموها الأسارى } ولو لم تكن مذكاة لما أمر بإطعام الأسارى لأنه لا يبيح لهم إلا ما يحل . قوله : ( فذبحوها بمروة ) أي بحجر أبيض ، وقيل هو الذي تقدح منه النار .

                                                                                                                                            قوله : ( إلا الظرار ) بالمعجمة بعدها راءان مهملتان بينهما ألف جمع ظرر : وهي الحجارة كذا في النهاية . قال في القاموس : الظر بالكسر والظرر الظررة : الحجر أو المدور المحدد منه الجمع ظرار وأظرة . قال : والمظرة بالكسر الحجر يقدح به النار ، وبالفتح : كسر الحجر ذي الحد قوله : ( وشقة العصا ) بكسر الشين المعجمة : أي ما يشق منها ويكون محددا . قوله : ( أمر الدم ) بفتح الهمزة وكسر الميم وبالراء مخففة من أمار الشيء ومار : إذا جرى ، وبكسر الهمزة وسكون الميم من مرى الضرع : إذا مسحه ليدر . قال الخطابي : المحدثون يروونه بتشديد الراء وهو خطأ إنما هو بتخفيفها من مريت الناقة إذا حلبتها ، قال ابن الأثير : ويروى أمرر براءين مظهرين من غير إدغام ، وكذا في التلخيص أنه براءين مهملتين الأولى مكسورة ثم نقل كلام الخطابي . قال : وأجيب بأن التثقيل لكونه أدغم إحدى الراءين في الأخرى على الرواية الأولى




                                                                                                                                            الخدمات العلمية