الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            578 - ( وعن أم سلمة قالت : { كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمص } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي )

                                                                                                                                            [ ص: 125 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 125 ] الحديث أخرجه أيضا النسائي ، وقال الترمذي : حسن غريب إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به ، وهو مروزي . وروى بعضهم هذا الحديث عن أبي تميلة عن عبد المؤمن بن خالد عن عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة قال : وسمعت محمد بن إسماعيل يقول : حديث عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة أصح ، هذا آخر كلامه . وعبد المؤمن هذا قاضي مرو . قال المنذري : ولا بأس به وأبو تميلة يحيى بن واضح أدخله البخاري في الضعفاء ووثقه يحيى بن معين . والحديث يدل على استحباب لبس القميص وإنما كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أمكن في الستر من الرداء والإزار اللذين يحتاجان كثيرا إلى الربط والإمساك وغير ذلك بخلاف القميص .

                                                                                                                                            ويحتمل أن يكون المراد من أحب الثياب إليه القميص لأنه يستر عورته ويباشر جسمه فهو شعار الجسد بخلاف ما يلبس فوقه من الدثار ، ولا شك أن كل ما قرب من الإنسان كان أحب إليه من غيره ، ولهذا شبه صلى الله عليه وسلم الأنصار بالشعار الذي يلي البدن بخلاف غيرهم فإنه شبههم بالدثار ، وإنما سمي القميص قميصا لأن الآدمي يتقمص فيه أي يدخل فيه ليستره ، وفي حديث المرجوم إنه يتقمص في أنهار الجنة أي ينغمس فيها .

                                                                                                                                            579 - ( وعن أسماء بنت يزيد قالت : { كانت يد كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ } رواه أبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            580 - ( وعن ابن عباس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول } : رواه ابن ماجه ) . الحديث الأول أخرجه النسائي أيضا ، وقال الترمذي ، حسن غريب ، وفي إسناده شهر بن حوشب وفيه مقال مشهور . والحديث الثاني رواه ابن ماجه في سننه من طريق عبيد بن محمد ، قال : حدثنا الحسن بن صالح ، ورواه أيضا من طريق شعبان بن وكيع عن أبيه عن الحسن بن صالح عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس ، وعبيد بن محمد ضعيف ، وشعبان بن وكيع أضعف منه ، ولكن شطره الأول يشهد له حديث أسماء هذا ، وشطره الثاني يشهد له حديث ابن عمر الآتي في إسبال الإزار والعمامة والقميص . قوله : ( إلى الرسغ ) بالسين المهملة هذا لفظ الترمذي ولفظ أبي داود الرصغ بالصاد المهملة الساكنة قبلها راء مكسورة وبعدها غين معجمة وهو مفصل ما بين الكف والساعد ، ويقال لمفصل الساق والقدم رسخ أيضا قاله ابن رسلان في شرح السنن .

                                                                                                                                            والحديثان يدلان على أن السنة [ ص: 126 ] في الأكمام أن لا تجاوز الرسغ قال الحافظ ابن القيم في الهدي : وأما الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراج فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه ألبتة ، وهي مخالفة لسنته ، وفي جوازها نظر ، فإنها من جنس الخيلاء انتهى .

                                                                                                                                            وقد صار أشهر الناس بمخالفة هذه السنة في زماننا هذا العلماء فيرى أحدهم وقد جعل لقميصه كمين يصلح كل واحد منهما أن يكون جبة أو قميصا لصغير من أولاده أو يتيم ، وليس في ذلك شيء من الفوائد الدنيوية إلا العبث وتثقيل المؤنة على النفس ، ومنع الانتفاع باليد في كثير من المنافع وتعريضه لسرعة التمزق وتشويه الهيئة ، ولا الدينية إلا مخالفة السنة والإسبال والخيلاء . قال ابن رسلان : والظاهر أن نساءه صلى الله عليه وسلم كن كذلك يعني أن أكمامهن إلى الرسغ إذ لو كان أكمامهن تزيد على ذلك لنقل ولو نقل لوصل إلينا ، كما نقل في الذيول من رواية النسائي وغيره أن أم سلمة لما سمعت { من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه قالت : يا رسول الله فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يرخينه شبرا قالت : إذن ينكشف أقدامهن قال : يرخينه ذراعا ولا يزدن عليه } . ويفرق بين الكف إذا ظهر وبين القدم ، أن قدم المرأة عورة بخلاف كفها انتهى .

                                                                                                                                            وفي الحديث الثاني دلالة على أن هديه صلى الله عليه وسلم كان تقصير القميص لأن تطويله إسبال وهو منهي عنه وسيأتي الكلام على ذلك .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية