الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5937 حدثنا قتيبة حدثنا حماد عن كثير هو ابن شنظير عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمروا الآنية وأجيفوا الأبواب وأطفئوا المصابيح فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        وأما حديث جابر فقوله في السند " كثير " كذا للأكثر غير منسوب زاد أبو ذر في روايته " هو ابن شنظير " وهو كذلك وشنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين [ ص: 89 ] بينهما نون ساكنة تقدم ضبطه والكلام عليه في " باب ذكر الجن " من كتاب بدء الخلق وشرح حديثه هذا وأنه ليس له في الصحيح غير هذا الحديث ووقع في رجال الصحيح للكلاباذي أن البخاري أخرج له أيضا في " باب استعانة اليد في الصلاة فراجعت الباب المذكور من الصحيح وهو قبيل كتاب الجنائز فما وجدت له هناك ذكرا ثم وجدت له بعد الباب المذكور بأحد عشر بابا حديثا آخر بسنده هذا وقد نبهت عليه في " باب ذكر الجن " والشنظير في اللغة السيئ الخلق وكثير المذكور يكنى أبا قرة وهو بصري .

                                                                                                                                                                                                        وقال القرطبي : الأمر والنهي في هذا الحديث للإرشاد قال وقد يكون للندب وجزم النووي بأنه للإرشاد لكونه لمصلحة دنيوية وتعقب بأنه قد يفضي إلى مصلحة دينية وهي حفظ النفس المحرم قتلها والمال المحرم تبذيره وقال القرطبي : في هذه الأحاديث أن الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره وفيه نار فعليه أن يطفئها قبل نومه أو يفعل بها ما يؤمن معه الاحتراق وكذا إن كان في البيت جماعة فإنه يتعين على بعضهم وأحقهم بذلك آخرهم نوما فمن فرط في ذلك كان للسنة مخالفا ولأدائها تاركا

                                                                                                                                                                                                        ثم أخرج الحديث الذي أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : جاءت فأرة فجرت الفتيلة فألقتها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نمتم فأطفئوا سراجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم وفي هذا الحديث بيان سبب الأمر أيضا وبيان الحامل للفويسقة - وهي الفأرة - على جر الفتيلة وهو الشيطان فيستعين وهو - عدو الإنسان عليه - بعدو آخر وهي النار - أعاذنا الله بكرمه من كيد الأعداء إنه رءوف رحيم .

                                                                                                                                                                                                        وقال ابن دقيق العيد : إذا كانت العلة في إطفاء السراج الحذر من جر الفويسقة الفتيلة فمقتضاه أن السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليها الفأرة لا يمنع إيقاده كما لو كان على منارة من نحاس أملس لا يمكن الفأرة الصعود إليه أو يكون مكانه بعيدا عن موضع يمكنها أن تثب منه إلى السراج قال وأما ورود الأمر بإطفاء النار مطلقا كما في حديثي ابن عمر وأبي موسى - وهو أعم من نار السراج - فقد يتطرق منه مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط شيء من السراج على بعض متاع البيت وكسقوط المنارة فينثر السراج إلى شيء من المتاع فيحرقه فيحتاج إلى الاستيثاق من ذلك فإذا استوثق بحيث يؤمن معه الإحراق فيزول الحكم بزوال علته

                                                                                                                                                                                                        قلت وقد صرح النووي بذلك في القنديل مثلا لأنه يؤمن معه الضرر الذي لا يؤمن مثله في السراج وقال ابن دقيق العيد أيضا هذه الأوامر لم يحملها الأكثر على الوجوب ويلزم أهل الظاهر حملها عليه ، قال وهذا لا يختص بالظاهري بل الحمل على الظاهر إلا لمعارض ظاهر يقول به أهل القياس وإن كان أهل الظاهر أولى بالالتزام به لكونهم لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات وهذه الأوامر تتنوع بحسب مقاصدها فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على كل حال ومنها ما يحمل على الندب والإرشاد معا كإغلاق الأبواب من أجل التعليل بأن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا لأن الاحتراز من مخالطة الشيطان مندوب إليه وإن كان تحته مصالح دنيوية كالحراسة وكذا إيكاء السقاء وتخمير الإناء . والله أعلم

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 90 ]



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية