الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6871 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا مسلم عن مسروق قال قالت عائشة رضي الله عنها صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه وتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث : قوله ( عن الأعمش حدثنا مسلم ) هو ابن صبيح بمهملة وموحدة مصغرا وآخره مهملة ، وهو أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه ، وقد وقع عند مسلم مصرحا به في رواية جرير عن الأعمش فقال عن أبي الضحى به وهذا يغني عن قول الكرماني يحتمل أن يكون ابن صبيح ، ويحتمل أن يكون ابن أبي عمران البطين ، فإنهما يرويان عن مسروق ويروي عنهما الأعمش ، والسند المذكور إلى مسروق كلهم كوفيون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : قال قالت عائشة ) في رواية مسلم من عدة طرق عن الأعمش بسنده عن عائشة .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 293 ] قوله ( ترخص فيه وتنزه عنه قوم ) قد تقدم في باب من لم يواجه الناس من " كتاب الأدب " هذا الحديث بسنده ومتنه ، وشرحته هناك ، والمراد منه هنا أن الخير في الاتباع سواء كان ذلك في العزيمة أو الرخصة ، وأن استعمال الرخصة بقصد الاتباع في المحل الذي وردت أولى من استعمال العزيمة بل ربما كان استعمال العزيمة حينئذ مرجوحا كما في إتمام الصلاة في السفر ; وربما كان مذموما إذا كان رغبة عن السنة كترك المسح على الخفين ، وأومأ ابن بطال إلى أن الذي تنزهوا عنه القبلة للصائم . وقال غيره لعله الفطر في السفر ، ونقل ابن التين عن الداودي أن التنزه عما ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب ، لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله وهذا إلحاد . قلت : لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك ، ولكن الذي اعتل به من أشير إليهم في الحديث أنه غفر له ما تقدم وما تأخر ، أي فإذا ترخص في شيء لم يكن مثل غيره ممن لم يغفر له ذلك فيحتاج الذي لم يغفر له إلى الأخذ بالعزيمة والشدة لينجو ، فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه وإن كان غفر الله له لكنه مع ذلك أخشى الناس لله وأتقاهم ، فمهما فعله صلى الله عليه وسلم من عزيمة ورخصة فهو فيه في غاية التقوى والخشية ، لم يحمله التفضل بالمغفرة على ترك الجد في العمل قياما بالشكر ومهما ترخص فيه فإنما هو للإعانة على العزيمة ليعملها بنشاط ، وأشار بقوله " أعلمهم " إلى القوة العلمية ، وبقوله " أشدهم له خشية " إلى القوة العملية أي أنا أعلمهم بالفضل وأولاهم بالعمل به .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية