الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وقال ابن عباس الدخول والمسيس واللماس هو الجماع ومن قال بنات ولدها من بناته في التحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن وكذلك حلائل ولد الأبناء هن حلائل الأبناء وهل تسمى الربيبة وإن لم تكن في حجره ودفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبة له إلى من يكفلها وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن ابنته ابنا

                                                                                                                                                                                                        4817 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب عن أم حبيبة قالت قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان قال فأفعل ماذا قلت تنكح قال أتحبين قلت لست لك بمخلية وأحب من شركني فيك أختي قال إنها لا تحل لي قلت بلغني أنك تخطب قال ابنة أم سلمة قلت نعم قال لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي أرضعتني وأباها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن وقال الليث حدثنا هشام درة بنت أبي سلمة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب ما يحل من النساء وما يحرم ، وقوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم الآية إلى عليما حكيما كذا لأبي ذر ، وساق في رواية كريمة إلى قوله وبنات الأخت - ثم قال : إلى قوله - عليما حكيما [ ص: 58 ] وذلك يشمل الآيتين ، فإن الأول إلى قوله غفورا رحيما .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال أنس والمحصنات من النساء ذوات الأزواج الحرائر حرام إلا ما ملكت أيمانكم ، لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته ) وفي رواية الكشميهني جارية ( من عبده ) وصله إسماعيل القاضي في كتاب " أحكام القرآن " بإسناد صحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك أنه قال في قوله تعالى والمحصنات : ذوات الأزواج الحرائر إلا ما ملكت أيمانكم فإذا هـو لا يرى بما ملك اليمين بأسا أن ينزع الرجل الجارية من عبده فيطأها ، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن التيمي بلفظ ذوات البعول وكان يقول بيعها طلاقها ، والأكثر على أن المراد بالمحصنات ذوات الأزواج يعني أنهن حرام وأن المراد بالاستثناء في قوله إلا ما ملكت أيمانكم المسبيات إذا كن متزوجات فإنهن حلال لمن سباهن .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال ) أي قال الله عز وجل ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن أشار بهذا إلى التنبيه على من حرم نكاحها زائدا على ما في الآيتين فذكر المشركة وقد استثنيت الكتابية والزائدة على الرابعة فدل ذلك على أن العدد الذي في قول ابن العباس الذي بعده لا مفهوم له وإنما أراد حصر ما في الآيتين .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال ابن عباس : ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وابنته وأخته ) وصله الفريابي وعبد بن حميد بإسناد صحيح عنه ولفظه في قوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم : لا يحل له أن يتزوج فوق أربع نسوة ، فما زاد منهن عليه حرام ، والباقي مثله ، وأخرجه البيهقي .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال لنا أحمد بن حنبل ) هذا فيما قيل أخذه المصنف عن الإمام أحمد في المذاكرة أو الإجازة ، والذي ظهر لي بالاستقراء أنه إنما استعمل هذه الصيغة في الموقوفات ، وربما استعملها فيما فيه قصور ما عن شرطه ، والذي هنا من الشق الأول ، وليس للمصنف في هذا الكتاب رواية عن أحمد إلا في هذا الموضع ، وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة وكأنه لم يكثر عنه لأنه في رحلته القديمة لقي كثيرا من مشايخ أحمد فاستغنى بهم ، وفي رحلته الأخيرة كان أحمد قد قطع التحديث فكان لا يحدث إلا نادرا فمن ثم أكثر البخاري عن علي بن المديني دون أحمد ، وسفيان المذكور في هذا الإسناد هو الثوري ، وحبيب هو ابن أبي ثابت .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حرم من النسب سبع ، ومن الصهر سبع ) في رواية ابن مهدي عن سفيان عن الإسماعيلي " حرم عليكم " وفي لفظ " حرمت عليكم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ثم قرأ : حرمت عليكم أمهاتكم الآية ) في رواية يزيد بن هارون عن سفيان عند الإسماعيلي " قرأ الآيتين " وإلى هذه الرواية أشار المصنف بقوله في الترجمة " إلى عليما حكيما فإنها آخر الآيتين ، ووقع عند الطبراني من طريق عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس في آخر الحديث " ثم قرأ : حرمت عليكم أمهاتكم حتى بلغ : وبنات الأخ وبنات الأخت ، ثم قال : هذا النسب . ثم قرأ : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم حتى بلغ : وأن تجمعوا بين الأختين وقرأ : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فقال : هذا الصهر " انتهى ، فإذا جمع بين الروايتين كانت الجملة خمس عشرة امرأة ، وفي تسمية ما هـو بالرضاع صهرا تجوز ، وكذلك امرأة الغير ، وجميعهن على التأبيد إلا الجمع بين الأختين وامرأة الغير ، ويلتحق بمن ذكر موطوءة الجد وإن علا وأم الأم ولو علت وكذا أم الأب وبنت الابن ولو سفلت وكذا بنت البنت وبنت بنت الأخت ولو سفلت وكذا بنت بنت الأخ وبنت ابن الأخ والأخت [ ص: 59 ] وعمة الأب ولو علت وكذا عمة الأم وخالة الأم ولو علت وكذا خالة الأب وجدة الزوجة ولو علت وبنت الربيبة ولو سفلت وكذا بنت الربيب وزوجة ابن الابن وابن البنت والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، وسيأتي في باب مفرد " ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وتقدم في باب مفرد ، وبيان ما قيل إنه يستثنى من ذلك

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وجمع عبد الله بن جعفر ) أي ابن أبي طالب ( بين بنت علي وامرأة علي ) كأنه أشار بذلك إلى دفع من يتخيل أن العلة في منع الجمع بين الأختين ما يقع بينهما من القطيعة فيطرده إلى كل قريبتين ولو بالصهارة فمن ذلك الجمع بين المرأة وبنت زوجها ، والأثر المذكور وصله البغوي في " الجعديات " من طريق عبد الرحمن بن مهران أنه قال " جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود " وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر فقال " ليلى بنت مسعود النهشلية وأم كلثوم بنت علي لفاطمة فكانتا امرأتيه " وقوله لفاطمة أي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لأنه تزوجهما واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته ، وقد وقع ذلك مبينا عند ابن سعد .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال ابن سيرين لا بأس به ) وصله سعيد بن منصور عنه بسند صحيح ، وأخرجه ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد " أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته - أي من غيرها - قال أيوب : فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال : نبئت أن رجلا كان بمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها " وأخرج الدارقطني من طريق أيوب أيضا عن ابن سيرين أن " رجلا من أهل مصر كانت له صحبة يقال له جبلة " فذكره

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وكرهه الحسن مرة ثم قال لا بأس به ) وصله الدارقطني في آخر الأثر الذي قبله بلفظ " وكان الحسن يكرهه " وأخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح من طريق سلمة بن علقمة قال " إني لجالس عند الحسن إذ سأله رجل عن الجمع بين البنت وامرأة زوجها فكرهه ، فقال له بعضهم : يا أبا سعيد ، هل ترى به بأسا ؟ فنظر ساعة ثم قال : ما أرى به بأسا " وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه ، وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا لا بأس به .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وجمع الحسن بن الحسن بن علي بين بنتي عم في ليلة ) وصله عبد الرزاق وأبو عبيد من طريق عمرو بن دينار بهذا وزاد " في ليلة واحدة بنت محمد بن علي وبنت عمر بن علي ، فقال محمد بن علي هو أحب إلينا منهما " وأخرج عبد الرزاق أيضا والشافعي من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي فلم ينسب المرأتين ولم يذكر قول محمد بن علي وزاد " فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وكرهه جابر بن زيد للقطيعة ) وصله أبو عبيد من طريقه . وأخرج عبد الرزاق نحوه عن قتادة وزاد وليس بحرام .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وليس فيه تحريم ) لقوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم هذا من تفقه المصنف ، وقد صرح به قتادة قبله كما ترى ، وقد قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح ، قال : وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا أن يحرمه ، وقد أشار جابر بن زيد إلى العلة بقوله " للقطيعة " أي لأجل وقوع القطيعة بينهما ، لما يوجبه التنافس بين الضرتين في العادة ، وسيأتي التصريح بهذه العلة في حديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها ، بل جاء ذلك منصوصا في جميع القرابات ، فأخرج أبو داود وابن أبي شيبة من مرسل عيسى بن [ ص: 60 ] طلحة " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة " وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن ، وقد نقل العمل بذلك عن ابن أبي ليلى وعن زفر أيضا ولكن انعقد الإجماع على خلافه وقاله ابن عبد البر وابن حزم وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال عكرمة عن ابن عباس : إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته ) هذا مصير من ابن عباس إلى أن المراد بالنهي عن الجمع بين الأختين إذا كان الجمع بعقد التزويج وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء " عن ابن عباس في رجل زنى بأخت امرأته قال : تخطى حرمة إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته " قال ابن جريج وبلغني عن عكرمة مثله ، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس قال " جاوز حرمتين إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته " وهذا قول الجمهور ، وخالفت فيه طائفة كما سيجيء .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ويروى عن يحيى الكندي عن الشعبي وأبي جعفر فيمن يلعب بالصبي إن أدخله فيه فلا يتزوجن أمه ) في رواية أبي ذر عن المستملي " وابن جعفر " يدل قوله وأبي جعفر ، والأول هو المعتمد ، وكذا وقع في رواية ابن نصر بن مهدي عن المستملي كالجماعة ، وهكذا وصله وكيع في مصنفه عن سفيان الثوري عن يحيى .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ويحيى هذا غير معروف ولم يتابع عليه ) انتهى وهو ابن قيس ، روى أيضا عن شريح روى عنه الثوري وأبو عوانة وشريك . فقول المصنف " غير معروف " أي غير معروف العدالة وإلا فاسم الجهالة ارتفع عنه برواية هؤلاء ، وقد ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ، والقول الذي رواه يحيى هذا قد نسب إلى سفيان الثوري والأوزاعي وبه قال أحمد وزاد : وكذا لو تلوط بأبي امرأته أو بأخيها أو بشخص ثم ولد للشخص بنت فإن كلا منهن تحرم على الواطئ لكونها بنت أو أخت من نكحه ، وخالف ذلك الجمهور فخصوه بالمرأة المعقود عليها ، وهو ظاهر القرآن لقوله وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين والذكر ليس من النساء ولا أختا ، وعند الشافعية فيمن تزوج امرأة فلاط بها هـل تحرم عليه بنتها أم لا ؟ وجهان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال عكرمة عن ابن عباس : إذا زنى بها لا تحرم عليه امرأته ) وصله البيهقي من طريق هشام عن قتادة عن عكرمة بلفظ في رجل غشي أم امرأته قال " تخطى حرمتين ولا تحرم عليه امرأته " وإسناده صحيح . وفي الباب حديث مرفوع أخرجه الدارقطني والطبراني من حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما ثم ينكح ابنتها أو البنت ثم ينكح أمها ، قال : لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح حلال " وفي إسنادهما عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك ، وقد أخرج ابن ماجه طرفا منه من حديث ابن عمر لا يحرم الحرام الحلال ، وإسناده أصلح من الأول .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ويذكر عن أبي نصر عن ابن عباس أنه حرمه ) وصله الثوري في جامعه من طريقه ولفظه أن رجلا قال أنه أصاب أم امرأته ، فقال له ابن عباس : حرمت عليك امرأتك ، وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد كلهم بلغ مبالغ الرجال " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وأبو نصر هذا لم يعرف بسماعه من ابن عباس ) كذا للأكثر ، وفي رواية ابن المهدي عن المستملي [ ص: 61 ] لا يعرف سماعه وهي أوجه وأبو نصر هذا بصري أسدي ، وثقه أبو زرعة . وفي الباب حديث ضعيف أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أم هانئ مرفوعا " من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها " وإسناده مجهول قاله البيهقي .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ويروى عن عمران بن حصين والحسن وجابر بن زيد وبعض أهل العراق أنها تحرم عليه ) أما قول عمران فوصله عبد الرزاق من طريق الحسن البصري عنه ، قال فيمن فجر بأم امرأته حرمتا عليه جميعا ، ولا بأس بإسناده ، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن عمران وهو منقطع ، وأما قول جابر بن زيد والحسن فوصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما قال : حرمت عليه امرأته . قال قتادة : لا تحرم غير أنه لا يغشى امرأته حتى تنقضي عدة التي زنى بها . وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن الحسن بلفظ : إذا فجر بأم امرأته أو ابنة امرأته حرمت عليه امرأته . وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : قال يحيى بن يعمر للشعبي : والله ما حرم حرام قط حلالا قط ، فقال الشعبي : بلى لو صببت خمرا على ماء حرم شرب ذلك الماء . قال قتادة : وكان الحسن يقول مثل قول الشعبي .

                                                                                                                                                                                                        وأما قوله " وقال بعض أهل العراق " فلعله عنى به الثوري ، فإنه ممن قال بذلك من أهل العراق . وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال : لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وبنتها . ومن طريق مغيرة عن إبراهيم وعامر هو الشعبي في رجل وقع على أم امرأته قال : حرمتا عليه كلتاهما ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، قالوا إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها ، وبه قال من غير أهل العراق عطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وهي رواية عن مالك ، وأبى ذلك الجمهور وحجتهم أن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها لا على مجرد الوطء ، وأيضا فالزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث ، قال ابن عبد البر : وقد أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزاني تزوج من زنى بها ، فنكاح أمها وابنتها أجوز .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال أبو هريرة : لا تحرم عليه حتى يلزق بالأرض ، يعني حتى يجامع ) قال ابن التين يلزق بفتح أوله وضبطه غيره بالضم وهو أوجه ، وبالفتح لازم وبالضم متعد يقال لزق به لزوقا وألزقه بغيره ، وهو كناية عن الجماع كما قال المصنف وكأنه أشار إلى خلاف الحنفية فإنهم قالوا : تحرم عليه امرأته بمجرد لمس أمها والنظر إلى فرجها ، فالحاصل أن ظاهر كلام أبي هريرة أنها لا تحرم إلا إن وقع الجماع ، فيكون في المسألة ثلاثة آراء : فمذهب الجمهور لا تحرم إلا بالجماع مع العقد ، والحنفية وهو قول عن الشافعي تلتحق المباشرة بشهوة بالجماع لكونه استمتاعا ومحل ذلك إذا كانت المباشرة بسبب مباح أما المحرم فلا يؤثر كالزنا ، والمذهب الثالث إذا وقع الجماع حلالا أو زنا أثر بخلاف مقدماته .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وجوزه سعيد بن المسيب وعروة والزهري ) أي أجازوا للرجل أن يقيم مع امرأته ولو زنى بأمها أو أختها سواء فعل مقدمات الجماع أو جامع ولذلك أجازوا له أن يتزوج بنت أو أم من فعل بها ذلك ، وقد روى عبد الرزاق من طريق الحارث بن عبد الرحمن قال : سألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن الرجل يزني بالمرأة هل تحل له أمها ؟ فقالا : لا يحرم الحرام الحلال ، وعن معمر عن الزهري مثله ، وعند البيهقي من طريق يونس بن يزيد عن الزهري أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها ؟ فقال : قال بعض العلماء لا يفسد الله حلالا بحرام .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 62 ] قوله ( وقال الزهري قال علي : لا يحرم وهذا مرسل ) أما قول الزهري فوصله البيهقي من طريق يحيى بن أيوب عن عقيل عنه أنه سئل عن رجل وطئ أم امرأته ، فقال : قال علي بن أبي طالب لا يحرم الحرام الحلال . وأما قوله : وهذا مرسل ، ففي رواية الكشميهني وهو مرسل أي منقطع ، فأطلق المرسل على المنقطع كما تقدم في فضائل القرآن والخطب فيه سهل ، والله أعلم

                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن هذه الترجمة معقودة لتفسير الربيبة وتفسير المراد بالدخول . فأما الربيبة فهي بنت امرأة الرجل ، قيل لها ذلك لأنها مربوبة ، وغلط من قال هو من التربية . وأما الدخول ففيه قولان : أحدهما أن المراد به الجماع وهو أصح قولي الشافعي ، والقول الآخر وهو قول الأئمة الثلاثة المراد به الخلوة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال ابن عباس : الدخول والمسيس واللماس هو الجماع ) تقدم ذكر من وصله عنه في تفسير المائدة ، وفيه زيادة . وروى عبد الرزاق من طريق بكر بن عبد الله المزني قال قال ابن عباس : الدخول والتغشي والإفضاء والمباشرة والرفث واللمس الجماع ، إلا أن الله حيي كريم يكني بما شاء عما شاء .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ومن قال بنات ولدها هن من بناتها في التحريم ) سقط من هنا إلى آخر الترجمة من رواية أبي ذر عن السرخسي ، وقد تقدم حكم ذلك في الباب الذي قبله .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة إلخ ) قد وصله في الباب ، ووجه الدلالة من عموم قوله " بناتكن " لأن الابن بنت .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وكذلك حلائل ولد الأبناء هن حلائل الأبناء ) أي مثلهن في التحريم ، وهذا بالاتفاق ، فكذلك بنات الأبناء وبنات البنات .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وهل تسمى الربيبة وإن لم تكن في حجره ) أشار بهذا إلى أن التقييد بقوله ( في حجوركم " هل هو [ ص: 63 ] للغالب ، أو يعتبر فيه مفهوم المخالفة ؟ وقد ذهب الجمهور إلى الأول ، وفيه خلاف قديم أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما من طريق إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس قال : كانت عندي امرأة قد ولدت لي ، فماتت فوجدت عليها ، فلقيت علي بن أبي طالب فقال لي : ما لك ؟ فأخبرته ، فقال : ألها ابنة ؟ يعني من غيرك ، قلت : نعم قال : كانت في حجرك ؟ قلت : لا ، هي في الطائف ، قال : فانكحها ، قلت : فأين قوله تعالى وربائبكم قال إنها لم تكن في حجرك . وقد دفع بعض المتأخرين هذا الأثر وادعى نفي ثبوته بأن إبراهيم بن عبيد لا يعرف ، وهو عجيب ، فإن الأثر المذكور عند ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة ، وإبراهيم ثقة تابعي معروف ، وأبوه وجده صحابيان ، والأثر صحيح عن علي .

                                                                                                                                                                                                        وكذا صح عن عمر أنه أفتى من سأله إذ تزوج بنت رجل كانت تحته جدتها ولم تكن البنت في حجره أخرجه أبو عبيد ، وهذا وإن كان الجمهور على خلافه فقد احتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم " فلا تعرضن علي بناتكن " قال نعم ولم يقيد بالحجر ، وهذا فيه نظر لأن المطلق محمول على المقيد ، ولولا الإجماع الحادث في المسألة وندرة المخالف لكان الأخذ به أولى . لأن التحريم جاء مشروطا بأمرين : أن تكون في الحجر وأن يكون الذي يريد التزويج قد دخل بالأم ، فلا تحرم بوجود أحد الشرطين . واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم " لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي " وهذا وقع في بعض طرق الحديث ما تقدم ، وفي أكثر طرقه " لو لم تكن ربيبتي في حجري " فقيد بالحجر كما قيد به القرآن فقوي اعتباره ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ودفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبة له إلى من يكفلها ) هذا طرف من حديث وصله البزار والحاكم من طريق أبي إسحاق عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه " وكان النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه زينب بنت أم سلمة وقال : إنما أنت ظئري ، قال فذهب بها ثم جاء ، فقال : ما فعلت الجويرية به ؟ قال : عند أمها - يعني من الرضاعة - وجئت لتعلمني " فذكر حديثا فيما يقرأ عند النوم ، وأصله عند أصحاب السنن الثلاثة بدون القصة ، وأصل قصة زينب بنت أم سلمة عند أحمد وصححه ابن حبان من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أم سلمة أخبرته أنها " لما قدمت المدينة - فذكرت القصة في هجرتها ثم موت أبي سلمة - قالت فلما وضعت زينب جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني - الحديث وفيه - فجعل يأتينا فيقول أين زناب ؟ حتى جاء عمار هو ابن ياسر فاختلجها وقال : هذه تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته ، وكانت ترضعها ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب ؟ فقالت قريبة بنت أبي أمية وهي أخت أم سلمة : وافقتها عندما أخذها عمار بن ياسر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني آتيكم الليلة " وفي رواية لأحمد " فجاء عمار وكان أخاها لأمها - يعني أم سلمة - فدخل عليها فانتشطها من حجرها وقال : دعي هذه المقبوحة " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن ابنته ابنا ) هذا طرف من حديث تقدم موصولا في المناقب من حديث أبي بكرة وفيه " إن ابني هذا سيد " يعني الحسن بن علي ، وأشار المصنف بهذا إلى تقوية ما تقدم ذكره في الترجمة أن بنت ابن الزوجة في حكم بنت الزوجة ثم ساق حديث أم حبيبة " قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان " وقد تقدم شرحه مستوفى قبل هذا ، وقوله " أرضعتني وأباها ثويبة " هو بفتح الهمزة والموحدة الخفيفة ، وثويبة بالرفع الفاعل والضمير لبنت أم سلمة ، والمعنى أرضعتني ثويبة وأرضعت والد درة بنت أبي [ ص: 64 ] سلمة ، وقد تقدم في الباب الماضي التصريح بذلك فقال " أرضعتني وأبا سلمة " وإنما نبهت على ذلك لأن صاحب " المشارق " نقل أن بعض الرواة عن أبي ذر رواها بكسر الهمزة وتشديد التحتانية فصحف ، ويكفي في الرد عليه قوله الرواية في الأخرى " إنها ابنة أخي من الرضاعة " ووقع في رواية لمسلم " أرضعتني وأباها أبا سلمة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال الليث حدثنا هـشام درة بنت أم سلمة ) يعني أن الليث رواه عن هشام بن عروة بالإسناد المذكور فسمى بنت أم سلمة درة ، وكأنه رمز بذلك إلى غلط من سماها زينب ، وقد قدمت أنها في رواية الحميدي عن سفيان ; وأن المصنف أخرجه عن الحميدي فلم يسمها ، وقد ذكر المصنف الحديث أيضا في الباب الذي بعده من طريق الليث أيضا عن ابن شهاب عن عروة فسماها أيضا درة




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية