الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام

                                                                                                                19 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحق بن إبراهيم جميعا عن وكيع قال أبو بكر حدثنا وكيع عن زكرياء بن إسحق قال حدثني يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال أبو بكر ربما قال وكيع عن ابن عباس أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب حدثنا ابن أبي عمر حدثنا بشر بن السري حدثنا زكرياء بن إسحق ح وحدثنا عبد بن حميد حدثنا أبو عاصم عن زكرياء بن إسحق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال إنك ستأتي قوما بمثل حديث وكيع

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام

                                                                                                                فيه بعث معاذ إلى اليمن ، وهو متفق عليه في الصحيحين .

                                                                                                                قوله : ( عن أبي معبد عن ابن عباس عن معاذ قال أبو بكر : وربما قال وكيع عن ابن عباس أن معاذا قال ) هذا الذي فعله مسلم - رحمه الله - نهاية التحقيق والاحتياط والتدقيق فإن الرواية الأولى قال فيها عن معاذ ، والثانية أن معاذا وبين ( أن ) و ( عن ) فرق ، فإن الجماهير قالوا : ( أن كعن ، فيحمل على الاتصال .

                                                                                                                [ ص: 161 ] وقال جماعة : لا تلتحق ( أن ) ( بعن ) ، بل تحمل ( أن ) على الانقطاع ، ويكون مرسلا ، ولكنه هنا يكون مرسل صحابي له حكم المتصل على المشهور من مذاهب العلماء . وفيه قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني الذي قدمناه في الفصول أنه لا يحتج به ، فاحتاط مسلم - رحمه الله - وبين اللفظين . والله أعلم .

                                                                                                                وأما ( أبو معبد ) فاسمه نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة وهو مولى ابن عباس . قال عمرو بن دينار كان من أصدق موالي ابن عباس - رضي الله عنهما - .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله . فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة . فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم . فإن أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) أما الكرائم فجمع كريمة . قال صاحب المطالع هي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف . وهكذا الرواية ( فإياك وكرائم ) بالواو في قوله وكرائم . قال ابن قتيبة . ولا يجوز إياك كرائم أموالهم بحذفها . ومعنى ( ليس بينها وبين الله حجاب ) أي أنها مسموعة لا ترد . وفي هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ، وفيه أن الوتر ليس بواجب لأن بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به . وفيه أن السنة أن الكفار يدعون إلى التوحيد قبل القتال . وفيه أنه لا يحكم بإسلامه إلا بالنطق بالشهادتين ، وهذا مذهب أهل السنة كما قدمنا بيانه في أول كتاب الإيمان . وفيه أن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة . وفيه بيان عظم تحريم الظلم ، وأن الإمام ينبغي أن يعظ ولاته ، ويأمرهم بتقوى الله تعالى ، ويبالغ في نهيهم عن الظلم ، ويعرفهم قبح عاقبته . وفيه أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال في أداء الزكاة بل يأخذ الوسط ، ويحرم على رب المال إخراج شر المال . وفيه أن الزكاة لا تدفع إلى كافر ، ولا تدفع أيضا إلى غني من نصيب الفقراء ، واستدل به الخطابي وسائر أصحابنا على أن الزكاة لا يجوز نقلها عن بلد المال لقوله - صلى الله عليه وسلم - فترد في فقرائهم ، وهذا الاستدلال ليس بظاهر لأن الضمير في فقرائهم محتمل لفقراء المسلمين ، ولفقراء أهل تلك البلدة والناحية وهذا الاحتمال أظهر واستدل به بعضهم على أن الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والصوم والزكاة وتحريم الزنا ونحوها ; لكونه - صلى الله عليه وسلم - قال : فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن عليهم ، فدل على أنهم إذا لم يطيعوا لا يجب عليهم .

                                                                                                                وهذا الاستدلال ضعيف فإن المراد أعلمهم أنهم مطالبون [ ص: 162 ] بالصلوات وغيرها في الدنيا ، والمطالبة في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام ، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها يزاد في عذابهم بسببها في الآخرة ولأنه - صلى الله عليه وسلم - رتب ذلك في الدعاء إلى الإسلام وبدأ بالأهم فالأهم . ألا تراه بدأ - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة قبل الزكاة ، ولم يقل أحد : إنه يصير مكلفا بالصلاة دون الزكاة . والله أعلم .

                                                                                                                ثم اعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه ، هذا قول المحققين والأكثرين ، وقيل : ليسوا مخاطبين بها ، وقيل : مخاطبون بالمنهي دون المأمور . والله أعلم . قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - : هذا الذي وقع في حديث معاذ من ذكر بعض دعائم الإسلام دون بعض هو من تقصير الراوي كما بيناه فيما سبق من نظائره . والله أعلم .

                                                                                                                قوله في الرواية الثانية ( حدثنا ابن أبي عمر ) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله سكن مكة . وفيها ( عبد بن حميد ) هو الإمام المعروف صاحب المسند ، يكنى أبا محمد قيل : اسمه عبد الحميد . وفيها أبو عاصم هو النبيل الضحاك بن مخلد .

                                                                                                                قوله : ( عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا ) هذا اللفظ يقتضي أن الحديث من مسند ابن عباس ، وكذلك الرواية التي بعده .

                                                                                                                وأما الأولى فمن مسند معاذ . ووجه الجمع بينهما أن يكون ابن عباس سمع الحديث من معاذ فرواه تارة عنه متصلا وتارة أرسله فلم يذكر معاذا . وكلاهما صحيح كما قدمناه أن مرسل الصحابي إذا لم يعرف المحذوف يكون حجة فكيف وقد عرفناه في هذا الحديث أنه معاذ ويحتمل أن ابن عباس سمعه من معاذ وحضر القضية فتارة رواها بلا واسطة لحضوره إياها ، وتارة رواها عن معاذ إما لنسيانه الحضور ، وإما لمعنى آخر . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية