الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

                                                                      760 حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك وإذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي وإذا رفع قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد وإذا سجد قال اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته وشق سمعه وبصره وتبارك الله أحسن الخالقين وإذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت حدثنا الحسن بن علي حدثنا سليمان بن داود الهاشمي أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر ودعا نحو حديث عبد العزيز في الدعاء يزيد وينقص الشيء ولم يذكر والخير كله في يديك والشر ليس إليك وزاد فيه ويقول عند انصرافه من الصلاة اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا شريح بن يزيد حدثني شعيب بن أبي حمزة قال قال لي محمد بن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل المدينة فإذا قلت أنت ذاك فقل وأنا من المسلمين يعني قوله وأنا أول المسلمين

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي ) هذا تصريح بأن هذا التوجيه بعد التكبيرة لا كما ذهب إليه البعض من أنه قبل التكبيرة ، واعلم أن ابن حبان أخرج هذا الحديث وقال : إذا قام إلى الصلاة المكتوبة ، وكذلك رواه الشافعي وقيده أيضا بالمكتوبة وكذا غيرهما ، وأما مسلم فقيده بصلاة الليل ، وزاد لفظ من جوف الليل . قاله العلامة الشوكاني . ( وجهت وجهي ) أي توجهت بالعبادة بمعنى أخلصت عبادتي لله ، وقيل صرفت وجهي وعملي ونيتي أو أخلصت قصدي ووجهتي ( للذي فطر السموات والأرض ) أي إلى الذي خلقهما وعملهما من غير مثال سبق ( حنيفا ) حال من ضمير وجهت أي مائلا عن كل دين باطل إلى الدين الحق ثابتا عليه ، وهو عند العرب غلب على من كان على ملة إبراهيم عليه السلام ( مسلما ) أي منقادا مطيعا لأمره وقضائه وقدره ( وما أنا من المشركين ) فيه تأكيد وتعريض ( إن صلاتي ) أي عبادتي وصلاتي ، وفيه شائبة تعليل لما قبله ( ونسكي ) أي ديني وقيل عبادتي أو تقربي أو حجي ( ومحياي ومماتي ) أي حياتي وموتي ، والجمهور على فتح الياء الآخرة في محياي وقرئ بإسكانها ( وبذلك أمرت ) أي بالتوحيد الكامل الشامل للإخلاص قولا واعتقادا ( وأنا أول المسلمين ) قال [ ص: 352 ] الشافعي : لأنه صلى الله عليه وسلم كان أول مسلمي هذه الأمة ، وفي رواية لمسلم وأنا من المسلمين ( اللهم ) أي يا الله والميم بدل عن حرف النداء ولذا لا يجمع بينهما إلا في الشعر ( أنت الملك ) أي القادر على كل شيء المالك الحقيقي لجميع المخلوقات ( وأنا عبدك ) أي معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في ( ظلمت نفسي ) أي اعترفت بالتقصير ، قدمه على سؤال المغفرة أدبا كما قال آدم وحواء ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين : ( واهدني لأحسن الأخلاق ) أي أرشدني لصوابها ووفقني للتخلق بها ( واصرف عني سيئها ) أي قبيحها ( لبيك ) قال العلماء : معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة ، يقال لب بالمكان لبا وألب إلبابا أي أقام به وأصل لبيك لبين حذفت النون للإضافة ( وسعديك ) قال الأزهري وغيره : معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة ( والخير كله في يديك والشر ليس إليك ) قال الخطابي وغيره : فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب . وأما قوله والشر ليس إليك فمما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها وحينئذ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال ، أحدها : معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وإسحاق ابن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم والثاني : حكى الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضا معناه لا يضاف إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذه وإن كان خالق كل شيء ورب كل شيء وحينئذ مدخل الشر في العموم . والثالث : معناه الشر لا يصعد إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح . والرابع : معناه والشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين . والخامس : حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أو ضعوه معهم .

                                                                      ( أنا بك وإليك ) أي توفيقي بك والتجائي وانتمائي إليك ( تباركت ) أي استحققت الثناء ، وقيل ثبت الخير عندك . وقال ابن الأنباري : تبارك العباد بتوحيدك . وقيل تعظمت [ ص: 353 ] وتمجدت أو جئت بالبركة أو تكاثر خيرك وأصل الكلمة للدوام والثبات ( ولك أسلمت ) أي لك ذللت وانقدت أو لك أخلصت وجهي أو لك خذلت نفسي وتركت أهواءها ( خشع لك ) أي خضع وتواضع أو سكن ( سمعي ) فلا يسمع إلا منك ( وبصري ) فلا ينظر إلا بك وإليك ، وتخصيصهما من بين الحواس لأن أكثر الآفات بهما ، فإذا خشعتا قلت الوساوس . قاله ابن الملك ( ومخي ) قال ابن رسلان : المراد به هنا الدماغ وأصله الودك الذي في العظم وخالص كل شيء ( وعظامي وعصبي ) فلا يقومان ولا يتحركان إلا بك في طاعتك . وهن عمد الحيوان وأطنابه واللحم والشحم غاد ورائح ( ملء السموات والأرض ) بكسر الميم ونصب الهمزة ورفعها والنصب أشهر قاله النووي صفة مصدر محذوف ، وقيل حال أي حال كونه مالئا لتلك الأجرام على تقدير تجسمه وبالرفع صفة الحمد ، قاله في المرقاة ( وملء ما شئت من شيء بعد ) أي بعد ذلك كالعرش والكرسي وغيرهما مما لم يعلمه إلا الله والمراد الاعتناء في تكثير الحمد ( أحسن الخالقين ) أي المصورين والمقدرين فإنه الخالق الحقيقي المنفرد بالإيجاد والإمداد . وغيره إنما يوجد صورا مموهة ليس فيها شيء من حقيقة الخلق مع أنه تعالى خالق كل صانع وصنعته والله خلقكم وما تعملون والله خالق كل شيء .

                                                                      ( وإذا سلم من الصلاة قال اللهم ) وفي رواية مسلم ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم ( وما أسررت وما أعلنت ) أي جميع الذنوب لأنها إما سر وإما علن ( وما أسرفت ) أي جاوزت الحد ( وما أنت أعلم به مني ) أي من ذنوبي وإسرافي في أموري وغير ذلك ( أنت المقدم والمؤخر ) أي تقدم من شئت بطاعتك وغيرها وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك وتعز من تشاء وتذل من تشاء .

                                                                      [ ص: 354 ] والحديث يدل على مشروعية الاستفتاح بما في هذا الحديث . قال النووي : إلا أن يكون إماما لقوم لا يرون التطويل . قال المنذري : أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا .

                                                                      ( فإذا قلت أنت ذاك فقل وأنا من المسلمين ) أي ولا تقل أنا أول المسلمين [ ص: 355 ] قال في الانتصار إن غير النبي إنما يقول وأنا من المسلمين وهو وهم منشؤه توهم أن معنى وأنا أول المسلمين أني أول شخص أتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه وليس كذلك بل معناه بيان المسارعة في الامتثال لما أمر به ونظيره قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين وقال موسى : وأنا أول المؤمنين قاله في النيل .



                                                                      الخدمات العلمية