الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2152 حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر أخبرنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل ابن آدم حظه من الزنا بهذه القصة قال واليدان تزنيان فزناهما البطش والرجلان تزنيان فزناهما المشي والفم يزني فزناه القبل حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة قال والأذن زناها الاستماع

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة ) : قال الخطابي : يريد بذلك ما عفا الله من صغار الذنوب وهو معنى قوله تعالى : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم وهو ما يلم به الإنسان من صغار الذنوب التي لا يكاد يسلم منها إلا من عصمه الله وحفظه ( إن الله كتب ) : أي أثبت في اللوح المحفوظ ( حظه ) : أي نصيبه ( من الزنا ) : بالقصر على الأفصح .

                                                                      قال القاري : والمراد من الحظ مقدمات الزنا من التمني والتخطي والتكلم لأجله والنظر واللمس والتخلي . وقيل أثبت فيه سببه وهو الشهوة والميل إلى النساء وخلق فيه العينين والقلب والفرج وهي التي تجد لذة الزنا ، أو المعنى قدر في الأزل أن يجري عليه الزنا في الجملة ( أدرك ) : أي أصاب ابن آدم ووجد ( ذلك ) : أي ما كتبه الله وقدره وقضاه أو حظه ( لا محالة ) : بفتح الميم ويضم أي لا بد له ولا فراق ولا احتيال منه فهو وقع البتة ( فزنا العينين النظر ) : أي حظها على قصد الشهوة فيما لا يحل له ( وزنا اللسان المنطق ) : أي التكلم على وجه الحرمة كالمواعدة ( والنفس ) : أي القلب كما في رواية عند مسلم ولعل النفس إذا طلبت تبعها القلب ( تمنى ) : بحذف أحد التاءين ( وتشتهي ) : لعله عدل عن سنن [ ص: 150 ] السابق لإفادة التجدد أي زنا النفس تمنيها واشتهاؤها وقوع الزنا الحقيقي ( والفرج يصدق ذلك ويكذبه ) : قال الطيبي : سمى هذه الأشياء باسم الزنا ، لأنها مقدمات له مؤذنة بوقوعه . ونسب التصديق والتكذيب إلى الفرج لأنه منشؤه ومكانه أي يصدقه بالإتيان بما هو المراد منه ويكذبه بالكف عنه . وقيل معناه إن فعل بالفرج ما هو المقصود من ذلك فقد صار الفرج مصدقا لتلك الأعضاء ، وإن ترك ما هو المقصود من ذلك فقد صار الفرج مكذبا .

                                                                      وقيل معنى كتب أنه أثبت عليه ذلك بأن خلق له الحواس التي يجد بها لذة ذلك الشيء وأعطاه القوى التي بها يقدر على ذلك الفعل ، فبالعينين وبما ركب فيهما من القوة الباصرة تجد لذة النظر وعلى هذا ، وليس المعنى أنه ألجأه إليه وأجبره عليه بل ركز في جبلته حب الشهوات ثم إنه تعالى برحمته وفضله يعصم من يشاء .

                                                                      وقيل هذا ليس على عمومه ، فإن الخواص معصومون عن الزنا ومقدماته ، ويحتمل أن يبقى على عمومه بأن يقال كتب الله تعالى على كل فرد من بني آدم صدور نفس الزنا ، فمن عصمه الله عنه بفضله صدر عنه من مقدماته الظاهرة ، ومن عصمه بمزيد فضله ورحمته عن صدور مقدماته وهم خواص عباده صدر عنه لا محالة بمقتضى الجبلة مقدماته الباطنة وهي تمني النفس واشتهاؤها .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي . ( فزناهما البطش ) : أي الأخذ واللمس ، ويدخل فيه الكتابة ورمي الحصى عليها ونحوهما ( فزناهما المشي ) : أي إلى موضع الزنا ( فزناه القبل ) : جمع القبلة . ( والأذن زناها الاستماع ) : إلى كلام الزانية أو الواسطة .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم .




                                                                      الخدمات العلمية