الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4286 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من أهل الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه بين الركن والمقام ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون قال أبو داود قال بعضهم عن هشام تسع سنين و قال بعضهم سبع سنين حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عبد الصمد عن همام عن قتادة بهذا الحديث وقال تسع سنين قال أبو داود و قال غير معاذ عن هشام تسع سنين حدثنا ابن المثنى حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا أبو العوام حدثنا قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث وحديث معاذ أتم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( يكون ) : أي يقع ( اختلاف ) : أي في ما بين أهل الحل والعقد ( عند موت خليفة ) : أي حكمية وهي الحكومة السلطانية بالغلبة التسليطية ( فيخرج رجل من أهل المدينة ) : أي كراهية لأخذ منصب الإمارة أو خوفا من الفتنة الواقعة فيها وهي المدينة المعطرة أو المدينة التي فيها الخليفة ( هاربا إلى مكة ) : لأنها مأمن كل من التجأ إليها ومعبد كل من سكن فيها قال الطيبي رحمه الله : وهو المهدي بدليل إيراد هذا الحديث أبو داود ، في باب المهدي ( فيأتيه ناس من أهل مكة ) : أي بعد ظهور أمره ومعرفة نور قدره [ ص: 294 ] ( فيخرجونه ) : أي من بيته ( وهو كاره ) : إما بلية الإمارة وإما خشية الفتنة ، والجملة حالية معترضة ( بين الركن ) : أي الحجر الأسود ( والمقام ) : أي مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام ( ويبعث ) : بصيغة المجهول أي يرسل إلى حربه وقتاله مع أنه من أولاد سيد الأنام وأقام في بلد الله الحرام ( بعث ) : أي جيش ( من الشام ) : وفي بعض النسخ من أهل الشام ( بهم ) : أي بالجيش ( بالبيداء ) : بفتح الموحدة وسكون التحتية قال التوربشتي رحمه الله : هي أرض ملساء بين الحرمين . وقال في المجمع اسم موضع بين مكة والمدينة وهو أكثر ما يراد بها

                                                                      ( فإذا رأى الناس ذلك ) : أي ما ذكر من خرق العادة وما جعل للمهدي من العلامة ( أتاه أبدال الشام ) : جمع بدل بفتحتين قال في النهاية : هم الأولياء والعباد الواحد بدل سموا بذلك لأنهم كلما مات منهم واحد أبدل بآخر قال السيوطي في مرقاة الصعود . لم يرد في الكتب الستة ذكر الأبدال إلا في هذا الحديث عند أبي داود وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه ، وورد فيهم أحاديث كثيرة خارج الستة جمعتها في مؤلف انتهى .

                                                                      قلت : إنا نذكر هاهنا بعض الأحاديث الواردة في شأن الأبدال تتميما للفائدة ، فمنها ما رواه أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت مرفوعا الأبدال في هذه الأمة ثلاثون رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا أورده السيوطي في الجامع الصغير ، وقال العزيزي والمناوي في شرحه بإسناد صحيح ، ومنها ما رواه عبادة بن الصامت الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمطرون وبهم تنصرون رواه الطبراني في الكبير أورده السيوطي في الكتاب المذكور وقال العزيزي والمناوي بإسناد صحيح ، ومنها ما رواه عوف بن مالك الأبدال في أهل الشام وبهم ينصرون وبهم يرزقون أخرجه الطبراني في الكبير أورده السيوطي في الكتاب المذكور قال العزيزي والمناوي إسناده حسن ، ومنها ما رواه علي رضي الله عنه الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب ، أخرجه أحمد وقال العزيزي والمناوي بإسناد حسن قال المناوي زاد في رواية الحكيم لم يسبقوا الناس بكثرة صلاة ولا صوم ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر أولئك حزب الله وقال : لا [ ص: 295 ] ينافي خبر الأربعين خبر الثلاثين لأن الجملة أربعون رجلا فثلاثون على قلب إبراهيم وعشرة ليسوا كذلك ، ومنها ما ذكر أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيار أمتي في كل قرن خمس مائة والأبدال أربعون ، فلا الخمس مائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمس مائة مكانه وأدخل في الأربعين وكأنهم قالوا : يا رسول الله دلنا على أعمالهم قال : يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويتواسون في ما آتاهم الله عز وجل أورده القاري في المرقاة ولم يذكر تمام إسناده .

                                                                      واعلم أن العلماء ذكروا في وجه تسمية الأبدال وجوها متعددة وما يفهم من هذه الأحاديث من وجه التسمية هو المعتمد .

                                                                      ( وعصائب أهل العراق ) : أي خيارهم من قولهم عصبة القوم خيارهم قاله القاري . وقال في النهاية : جمع عصابة وهم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها ، ومنه حديث علي رضي الله عنه الأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصائب بالعراق أراد أن التجمع للحروب يكون بالعراق وقيل أراد جماعة من الزهاد وسماهم بالعصائب لأنه قرنهم بالأبدال والنجباء انتهى .

                                                                      والمعنى أن الأبدال والعصائب يأتون المهدي ( ثم ينشأ ) : أي يظهر ( رجل من قريش ) : هذا هو الذي يخالف المهدي ( أخواله ) : أي أخوال الرجل القرشي ( كلب ) : فتكون أمه كلبية قال التوربشتي رحمه الله : يريد أن أم القرشي تكون كلبية فينازع المهدي في أمره ويستعين عليه بأخواله من بني كلب ( فيبعث ) : أي ذلك الرجل القرشي الكلبي ( إليهم ) : أي المبايعين للمهدي ( بعثا ) : أي جيشا ( فيظهرون عليهم ) : أي فيغلب المبايعون على البعث الذي بعثه الرجل القرشي الكلبي ( وذلك ) : أي البعث ( بعث كلب ) : أي جيش كلب باعثه هو نفس الكلبي ( ويعمل ) : أي المهدي ( في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ) : فيصير جميع الناس عاملين بالحديث ومتبعيه ( ويلقي ) : من الإلقاء ( الإسلام بجرانه ) : بكسر الجيم ثم راء بعدها ألف ثم نون هو مقدم العنق قال في النهاية : الجران باطن العنق ومنه حديث عائشة رضي الله عنها حتى ضرب الحق بجرانه أي قر [ ص: 296 ] قراره واستقام كما أن البعير إذا برك واستراح مد عنقه على الأرض انتهى .

                                                                      قال المنذري : قال أبو داود ، قال بعضهم عن هشام يعني الدستوائي تسع سنين ، وقال بعضهم سبع سنين وذكره أيضا من حديث همام وهو ابن يحيى عن قتادة وقال سبع سنين . والرجل الذي لم يسم فيه سمي في الحديث الذي بعده ورفع الحديث انتهى كلام المنذري . ( عن أبي خليل عن عبد الله بن الحارث إلخ ) : قال المنذري : في هذا الإسناد أبو العوام وهو عمران بن داور وقد تقدم الكلام عليه . وأبو الخليل هو صالح بن أبي مريم الضبعي البصري أخرج له البخاري ومسلم وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة ولام انتهى .

                                                                      قال ابن خلدون : خرج أبو داود ، عن أم سلمة من رواية صالح أبي الخليل عن صاحب أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة ثم رواه أبو داود ، من رواية أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة : فتبين بذلك المبهم في الإسناد الأول ورجاله رجال الصحيحين لا مطعن فيهم ولا مغمز .

                                                                      وقد يقال إنه من رواية قتادة عن أبي الخليل وقتادة مدلس وقد عنعنه والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع ، مع أن الحديث ليس فيه تصريح لذكر المهدي . نعم ذكره أبو داود ، في أبوابه انتهى . قلت : لا شك أن أبا داود يعلم تدليس قتادة بل هو أعرف بهذه القاعدة من ابن خلدون ومع ذلك سكت عنه ثم المنذري وابن القيم لم يتكلموا على [ ص: 297 ] هذا الحديث ، فعلم أن عندهم علما بثبوت سماع قتادة من أبي الخليل لهذا الحديث والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية