الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          109 حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن صحيح قال وقد روي هذا الحديث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق قالوا إذا التقى الختانان وجب الغسل

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن علي بن زيد ) ابن جدعان التيمي البصري أصله حجازي ضعيف ، روى عن ابن المسيب ، وعنه قتادة والسفيانان والحمادان وخلق ، وقال أحمد وأبو زرعة ليس بالقوي وقال ابن خزيمة : سيئ الحفظ ، وقال شعبة : حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط ، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ، وقال الترمذي صدوق إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره .

                                                                                                          قوله : ( إذا جاوز الختان الختان ) قال في مجمع البحار : أي حاذى أحدهما الآخر سواء تلامسا أو لا كما إذا لف الذكر بالثوب وأدخل . انتهى ، قالالشوكاني : ورد الحديث بلفظ المحاذاة [ ص: 307 ] وبلفظ الملاقاة وبلفظ الملامسة وبلفظ الإلصاق ، والمراد بالملاقاة المحاذاة ، قال القاضي أبو بكر : إذا غابت الحشفة في الفرج فقد وقعت الملاقاة قال ابن سيد الناس : وهكذا معنى مس الختان الختان أي قاربه وداناه ، ومعنى إلزاق الختان الختان إلصاقه به ، ومعنى المجاوزة ظاهر قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي حاكيا عن ابن العربي : وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة وإنما هو من باب المجاز والكناية عن الشيء بما بينه وبينه ملابسة وهو ظاهر وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على واحد منهما فلا بد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصرحا به في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ " إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل " أخرجه ابن أبي شيبة . انتهى ، قلت وأخرجه ابن ماجه أيضا .

                                                                                                          قوله : ( حديث عائشة حديث حسن صحيح ) والحديث صححه ابن حبان وابن القطان وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه ، ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا ، واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال : سألت القاسم بن محمد سمعت في هذا الباب شيئا فقال لا ، وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه ثم تذكر فحدث به ابنه أو كان حدث به ثم نسي ، ولا يخلو الجواب عن نظر ، قال الحافظ وأصله في مسلم بلفظ " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل " وقال النووي : هذا الحديث أصله صحيح لكن فيه تغير ، وتبع في ذلك ابن الصلاح .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول أكثر أهل العلم إلخ ) قال النووي : اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال ، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين . انتهى ، وقال ابن العربي : إيجاب الغسل أطبق عليه الصحابة ومن بعدهم ، وما خالف فيه إلا داود ولا عبرة بخلافه ، قال الحافظ في الفتح : وأما نفي ابن العربي الخلاف فمعترض ، فإنه مشهور بين الصحابة ثبت عن جماعة منهم ، لكن ادعى ابن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين ، وهو معترض أيضا ، فقد قال الخطابي : إنه [ ص: 308 ] قال به جماعة من الصحابة فسمى بعضهم ، قال : ومن التابعين الأعمش ، وتبعه عياض لكن لم يقل به أحد بعد الصحابة غيره ، وهو معترض أيضا ، فقد ثبت ذلك عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن وهو في سنن أبي داود بإسناد صحيح ، وعن هشام بن عروة عند عبد الرزاق بإسناد صحيح ، وقال الشافعي في اختلاف الحديث : حديث الماء من الماء ثابت لكنه منسوخ ، إلى أن قال : فخالفنا بعض أهل ناحيتنا يعني من الحجازيين فقالوا : لا يجب الغسل حتى ينزل اهـ ، فعرف بهذا أن الخلاف كان مشهورا بين التابعين ومن بعدهم ، لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب . انتهى كلام الحافظ . قلت : لا شك في أن مذهب الجمهور هو الحق والصواب . وأما حديث الماء من الماء وما في معناه فهو منسوخ ، ويأتي بيان النسخ في الباب الآتي .




                                                                                                          الخدمات العلمية