الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2292 حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري البغدادي حدثنا أبو اليمان عن شعيب وهو ابن أبي حمزة عن ابن أبي حسين وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت في المنام كأن في يدي سوارين من ذهب فهمني شأنهما فأوحي إلي أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كاذبين يخرجان من بعدي يقال لأحدهما مسيلمة صاحب اليمامة والعنسي صاحب صنعاء قال هذا حديث صحيح غريب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا أبو اليمان ) اسمه الحكم بن نافع البهراني بفتح الموحدة الحمصي ، مشهور بكنيته ، ثقة ثبت يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة ، من العاشرة ( عن ابن أبي حسين ) اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن نوفل المكي النوفلي ثقة عالم بالمناسك من الخامسة .

                                                                                                          قوله : ( سوارين ) بكسر السين أي قلبين ، قال الحافظ : السوار بكسر المهملة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة أسوار بضم الهمزة أوله ( فهمني شأنهما ) : أي أحزنني وفي حديث البخاري فكبرا علي ، قال الحافظ هو بمعنى العظم ، قال القرطبي وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب مما حرم على الرجال ( فأوحي إلي ) قال الحافظ : كذا للأكثر على البناء للمجهول ، وفي رواية الكشميهني في حديث إسحاق بن نصر فأوحى الله إلي هذا الوحي يحتمل أن يكون من وحي الإلهام أو على لسان الملك قاله القرطبي ( أن انفخهما ) بضم الفاء وسكون الخاء المعجمة وإن هي مفسرة لما في الوحي من معنى القول وعليه كلام القاضي وغيره ، وجوز الطيبي أن تكون ناصبة والجار محذوف والنفخ [ ص: 471 ] بالخاء المعجمة على ما صححه النووي ، يقال نفخته ونفخت فيه ( فنفختهما فطارا ) قال الحافظ وكذا في رواية المقبري وزاد فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن ، وفي ذلك إشارة إلى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة ، ورده ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة ولم ينزل بالمسلمين قبله مثله ، قال الحافظ : وهو كذلك لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية ، وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما .

                                                                                                          ( فأولتهما كاذبين ) قال المهلب : هذه الرؤيا ليست على وجهها وإنما هي من ضرب المثل ، وإنما أوله النبي صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه ، فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له ، وأيضا ففي كونهما من ذهب والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب ، وأيضا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا فعرف أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام ، انتهى ملخصا ( يخرجان من بعدي ) ، وفي رواية البخاري فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما ، قال الحافظ : هذا ظاهر في أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين وهو كذلك ، لكن وقع في رواية ابن عباس : يخرجان بعدي ، والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة ، نقله النووي عن العلماء وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله عليه وسلم فادعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين ، وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمت ذلك واضحا في أواخر المغازي ، وأمامسيلمة فكان ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر ، فإما أن يحمل ذلك على التغليب ، وإما أن يكون المراد بقوله ( بعدي ) أي بعد نبوتي .

                                                                                                          ( يقال لأحدهما مسلمة ) بفتح الميم واللام وبينهما سين ساكنة هو المشهور بمسيلمة مصغرا قتله الوحشي قاتل حمزة في خلافة الصديق رضي الله عنه ، وقيل لما قتله وحشي قال : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام ( صاحب اليمامة ) قال في القاموس : اليمامة القصد كاليمام وجارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام ، وبلاد الجو منسوبة إليها وسميت باسمها وهي أكثر نخيلا من سائر الحجاز وبها تنبأ مسيلمة الكذاب ، وهي دون المدينة في وسط الشرق من مكة على ستة عشر مرحلة من البصرة وعن الكوفة نحوها انتهى .

                                                                                                          ( والعنسي صاحب صنعاء ) هو بلدة باليمن وصاحبها الأسود العنسي تنبأ بها في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقتله فيروز الديلمي في مرض وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : فاز فيروز .

                                                                                                          [ ص: 472 ] قوله : ( هذا حديث صحيح غريب ) وأخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية