الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3070 حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي حدثنا محمد بن فضيل عن داود الأودي عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله قال من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هذه الآيات قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الآية إلى قوله لعلكم تتقون قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب [ ص: 355 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 355 ] قوله : ( عن داود الأودي ) الظاهر أن داود هذا هو داود بن عبد الله الأودي الزعافري ، بالزاي والمهملة وبالفاء ، أبو العلاء الكوفي ثقة من السادسة وهو غير عم عبد الله بن إدريس ( عن عبد الله ) هو ابن مسعود .

                                                                                                          قوله : ( من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فليقرأ هؤلاء الآيات ) كناية عن أن هذه الآيات محكمات غير منسوخات . وقال ابن عباس : هذه الآيات محكمات في جميع الكتب لم ينسخهن شيء وهن محرمات على بني آدم كلهم وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار . ذكره الخازن ، وروى نحوه الحاكم في المستدرك قل يا محمد تعالوا أي هلموا وأقبلوا أتل ما حرم ربكم عليكم أي أقرأ وأقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقا لا تخرصا ولا ظنا بل وحيا منه وأمرا من عنده ، وبقية الآيات مع تفسيرها هكذا : ألا تشركوا به شيئا كأن في الكلام محذوفا دل عليه السياق وتقديره : وأوصاكم أن لا تشركوا به شيئا ولهذا قال في آخر الآية ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون

                                                                                                          وقال النيسابوري في تفسيره : فإن قيل قوله ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا كالتفصيل لما أجمله في قوله ما حرم فيلزم أن يكون ترك الشرك والإحسان إلى الوالدين محرما ، فالجواب أن المراد من التحريم البيان المضبوط أو الكلام تم عند قوله ما حرم ربكم ثم ابتدأ فقال : عليكم أن لا تشركوا أو " أن " مفسرة أي ذلك التحريم هو قوله : " لا تشركوا " وهذا في النواهي واضح وأما الأوامر فيعلم بالقرينة أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإساءة إلى الوالدين وبخس الكيل والميزان وترك العدل في القول ونكث عهد الله ، ولا يجوز أن تجعل ناصبة وإلا لزم عطف الطلب- أعني الأمر- على الخبر . انتهى وبالوالدين إحسانا أي أوصاكم وأمركم بالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم بالوأد من إملاق أي من أجل فقر تخافونه وذلك أنهم كانوا يقتلون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش أي الكبائر كالزنا ما ظهر منها وما بطن أي علانيتها وسرها ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق إنما أفرده بالذكر تعظيما لأمر القتل وأنه من أعظم الفواحش والكبائر ، وقيل إنما أفرده بالذكر لأنه تعالى أراد أن يستثني منه ولا يمكن ذلك الاستثناء من جملة الفواحش إلا بالإفراد فلذلك قال : [ ص: 356 ] ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق . كالقود وحد الردة ورجم المحصن ذلكم أي المذكور وصاكم به يعني أمركم به وأوجبه عليكم ، لعلكم تعقلون أي لكي تفهموا وتتدبروا ما في هذه التكاليف من الفوائد والمنافع فتعلموا بها ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي أي بالخصلة التي هي أحسن وهي ما فيه صلاحه وتثميره وتحصيل الربح له حتى يبلغ أشده بأن يحتلم .

                                                                                                          قال في القاموس : حتى يبلغ أشده ويضم أوله أي قوته وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين ، واحد جاء على بناء الجمع كآنك ، ولا نظير لهما أو جمع لا واحد له من لفظه ، أو واحده : شدة بالكسر مع أن فعلة لا تجمع على أفعل أو شد ككلب وأكلب أو شد كذئب وأذؤب وما هما بمسموعين بل قياس . انتهى . واختلف المفسرون في تفسير الأشد ، فقيل عشرون سنة وقيل ثلاثون سنة وقيل ثلاث وثلاثون سنة . قال الخازن هذه الأقوال التي نقلت عن المفسرين في هذه الآية إنما هي نهاية الأشد لا ابتداؤه والمراد بالأشد في هذه الآية هي ابتداء بلوغ الحلم مع إيناس الرشد وهذا هو المختار في هذه الآية وأوفوا الكيل والميزان بالقسط أي بالعدل وترك البخس لا نكلف نفسا إلا وسعها أي طاقتها وما يسعها في إيفاء الكيل والميزان وإتمامه يعني من اجتهد في أداء الحق وأخذه فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه وإذا قلتم في حكم أو غيره فاعدلوا بالصدق والحق ولو كان أي المقول له أو عليه ذا قربى أي ذا قرابة لكم ، وبعهد الله أوفوا يعني ما عهد إلى عباده ووصاهم به وأوجبه عليهم ذلكم أي الذي ذكر في هذه الآيات وصاكم به لعلكم تذكرون : أي لعلكم تتعظون وتتذكرون فتأخذون ما أمرتكم به وأن بالفتح على تقدير اللام والكسر استئنافا هذا أي الذي وصيتكم به صراطي مستقيما حال فاتبعوه ولا تتبعوا السبل الطرق المخالفة له فتفرق فيه حذف إحدى التاءين أي فتميل ، بكم عن سبيله أي دينه ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون أي : الطرق المختلفة والسبل المضلة .




                                                                                                          الخدمات العلمية