الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 257 ] الحسن بن محمد بن هارون ، أبو محمد المهلبي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الوزير لمعز الدولة بن بويه ، مكث وزيرا في وزارته ثلاث عشرة سنة ، وكان فيه حلم وكرم وأناة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حكى أبو إسحاق الصابئ قال : كنت يوما عنده وقد جيء بدواة قد صنعت له ومرفع قد حليا بحلية كثيرة ، فقال لي أبو محمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي - سرا بيني وبينه - : ما كان أحوجني إليها لأبيعها وأنتفع بها ، فقلت : وأي شيء يفعل الوزير ؟ فقال : يدخل في حر أمه ، فسمعها الوزير وهو مصغ إلينا ولا نشعر ، فلما أمسى بعث بالدواة إلى أبي محمد الشيرازي ومرفعها وعشرة ثياب وخمسة آلاف درهم ، واصطنع له غيرها ، فاجتمعنا يوما آخر عنده ، وهو يوقع من تلك الدواة الجديدة ، فنظر إلينا ، فقال : هيه ، من منكما يريدها مع الإعفاء من الدخول ؟ قال : فاستحيينا ، وعلمنا أنه كان سمع كلامنا يومئذ ، وقلنا : بل يمتع الله الوزير بها ، ويبقيه ليهب ألفا مثلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 258 ] توفي أبو محمد المهلبي في هذه السنة عن أربع وستين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرحمن ، أبو محمد السجستاني المعدل ، سمع بخراسان وحلوان وبغداد والبصرة والكوفة ومكة ، وكان من ذوي اليسار والمشهورين بالبر والإفضال ، وله صدقات جارية ، وأوقاف دارة على أهل الحديث ببغداد ومكة وسجستان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت له دار عظيمة ببغداد ، فكان يقول : ليس في الدنيا مثلها ; لأنه ليس في الدنيا مثل بغداد ولا في بغداد مثل القطيعة ، ولا في القطيعة مثل درب أبي خلف ، وليس في درب أبي خلف مثل داري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وصنف الدارقطني له مسندا ، وكان إذا شك في حديث تركه ، فكان الدارقطني يقول : لم أر في مشايخنا أثبت منه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أنفق في أهل العلم وذوي الحاجات أموالا جزيلة كثيرة جدا ، اقترض منه بعض التجار عشرة آلاف دينار فضمن بها ضياعا ، فربح في مدة ثلاث سنين ثلاثين ألف دينار ، فعزل منها عشرة آلاف دينار ، وجاءه بها ، فأضافه دعلج ضيافة حسنة ، فلما فرغ من شأنها قال : ما شأنك ؟ قال له : هذه الدنانير التي تفضلت بها قد حضرت . فقال : يا سبحان الله ! إني لم أعطكها لتردها ، [ ص: 259 ] فحل بها الأهل ، فقال : إني قد ربحت ثلاثين ألف دينار ، فهذه منها ، فقال له دعلج : اذهب بها ، بارك الله لك . فقال له : كيف يتسع مالك لهذا ؟ ومن أين أفدت هذا المال ؟ فقال : إني كنت في حداثة سني أطلب الحديث ، فجاءني رجل تاجر من أهل البحر ، فدفع إلي ألف ألف درهم ، وقال : اتجر في هذه ، فما كان من ربح فبيني وبينك ، وما كان من خسارة فعلي دونك ، وعليك عهد الله وميثاقه إن وجدت حاجة أو خلة فسدها من مالي هذا . ثم جاءني فقال : إني سأركب في البحر ، فإن هلكت ، فالمال في يدك على ما شرطت عليك . فهو في يدي على ما قال . ثم قال لي : لا تخبر بهذا أحدا مدة حياتي . فلم أخبر به أحدا حتى مات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كانت وفاته في جمادى الآخرة من هذه السنة عن أربع أو خمس وتسعين سنة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الباقي بن قانع بن مرزوق أبو الحسين الأموي مولاهم ، سمع الحارث بن أبي أسامة ، وعنه الدارقطني وغيره ، وكان من أهل الثقة والأمانة والحفظ ، ولكنه تغير في آخر عمره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الدارقطني : كان يخطئ ويصر على الخطأ . توفي في شوال منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو بكر النقاش المفسر ، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون [ ص: 260 ] بن جعفر ، أبو بكر النقاش

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المفسر المقرئ ، مولى أبي دجانة سماك بن خرشة ، وأصله من الموصل وكان عالما بالتفسير والقراءات ، وسمع الكثير في بلدان شتى عن خلق من المشايخ ، وحدث عنه أبو بكر بن مجاهد والخلدي وابن شاهين وابن رزقويه وخلق ، وآخر من حدث عنه أبو علي بن شاذان ، وتفرد بأشياء منكرة ، وقد وقفه الدارقطني على كثير من أخطائه ، فرجع عن ذلك ، وصرح بعضهم بتكذيبه ، فالله أعلم . وله كتاب التفسير الذي سماه " شفاء الصدور " فقال بعضهم : بل هو إشفاء الصدور .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان رجلا صالحا في نفسه ، عابدا ناسكا ، حكى من حضره يجود بنفسه ، وهو يدعو بدعاء ، ثم رفع صوته يقول : لمثل هذا فليعمل العاملون [ الصافات : 61 ] يرددها ثلاث مرات ، ثم خرجت روحه ، رحمه الله . وكانت وفاته يوم الثلاثاء الثاني من شوال منها ، ودفن في داره بدار القطن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن سعيد أبو بكر الحربي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الزاهد ، ويعرف بابن الضرير
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، كان ثقة عابدا . ومن قوله : دافعت الشهوات حتى صارت شهوتي المدافعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية