الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين .

بهرها ما رأت من آيات علمت منها أن سليمان صادق فيما دعاها إليه وأنه مؤيد من الله تعالى ، وعلمت أن دينها ودين قومها باطل فاعترفت بأنها ظلمت نفسها في اتباع الضلال بعبادة الشمس . وهذا درجة أولى في الاعتقاد وهو درجة التخلية ، ثم صعدت إلى الدرجة التي فوقها وهي درجة التحلي بالإيمان الحق فقالت : وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين فاعترفت بأن الله هو رب جميع الموجودات ، وهذا مقام التوحيد .

وفي قولها ( مع سليمان ) إيمان بالدين الذي تقلده سليمان وهو دين [ ص: 277 ] اليهودية ، وقد أرادت جمع معاني الدين في هذه الكلمة ليكون تفصيلها فيما تتلقاه من سليمان من الشرائع والأحكام .

وجملة قالت رب إني ظلمت نفسي جواب عن قول سليمان إنه صرح ممرد من قوارير ولذلك لم تعطف .

والإسلام : الانقياد إلى الله تعالى . وتقلد بلقيس للتوحيد كان في خاصة نفسها ; لأنها دانت لله بذلك ; إذ لم يثبت أن أهل سبأ انخلعوا عن عبادة الأصنام كما يأتي في سورة سبأ . وأما دخول اليهودية بلاد اليمن فيأتي في سورة البروج . وسكت القرآن عن بقية خبرها ورجوعها إلى بلادها وللقصاصين أخبار لا تصح فهذا تمام القصة .

ومكان العبرة منها الاتعاظ بحال هذه الملكة ، إذ لم يصدها علو شأنها وعظمة سلطانها مع ما أوتيته من سلامة الفطرة وذكاء العقل عن أن تنظر في دلائل صدق الداعي إلى التوحيد ، وتوقن بفساد الشرك ، وتعترف بالوحدانية لله ، فما يكون إصرار المشركين على شركهم بعد أن جاءهم الهدي الإسلامي إلا لسخافة أحلامهم ، أو لعمايتهم عن الحق وتمسكهم بالباطل وتصلبهم فيه . ولا أصل لما يذكره القصاصون وبعض المفسرين من أن سليمان تزوج بلقيس ولا أن له ولدا منها . فإن رحبعام ابنه الذي خلفه في الملك كان من زوجة عمونية .

التالي السابق


الخدمات العلمية