الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد .

هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإنكار ، ما أيأسه من تأثرهم بكلامه ، فتحداهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه قوله إني أخاف عليكم يوم التناد ، فالفاء تفريع على جملة ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار .

وفعل ( ستذكرون ) مشتق من الذكر بضم الذال وهو ضد النسيان ، أي ستذكرون في عقولكم ، أي ما أقول لكم الأن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه ، فشبه الإعراض بالنسيان ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل ملازمة الضد لضده وهو التذكر على طريقة المكنية وفي قرينتها استعارة تبعية .

والمعنى سيحل بكم من العذاب ما يذكركم ما أقوله : إنه سيحل بكم .

وجملة وأفوض أمري إلى الله عطف على جملة ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ، ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشر ، يعني : أني أكل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل ، وهذا كلام منصف فالمراد ب ( أمري ) شأني ومهمي .

[ ص: 157 ] ويدل لمعنى الانتصاف تعقيبه بقوله إن الله بصير بالعباد معللا تفويض أمره معهم إلى الله بأن الله عليم بأحوال جميع العباد فعموم العباد شمله وشمل خصومه .

وقال في الكشاف : قوله وأفوض أمري إلى الله لأنهم تواعدوه اهـ . يعني أن فيه إشعارا بذلك بمعونة ما بعده .

و العباد الناس يطلق على جماعتهم اسم العباد ، ولم أر إطلاق العبد على الإنسان الواحد ولا إطلاق العبيد على الناس .

والبصير : المطلع الذي لا يخفى عليه الأمر . والباء للتعدية كما في قوله تعالى فبصرت به عن جنب ، فإذا أرادوا تعدية فعل البصر بنفسه قالوا : أبصره .

التالي السابق


الخدمات العلمية