الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ) قال ابن عباس ، و مجاهد ، والحسن ، وابن زيد ، وغيرهم : المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ، ولو مرة ، فقد وجب إعطاء الأجر وهو المهر ، ولفظة ( ما ) تدل على أن يسير الوطء يوجب إيتاء الأجرة . وقال الزمخشري : فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة ، أو عقد عليهن ، فآتوهن أجورهن عليه . انتهى . وأدرج في الاستمتاع الخلوة الصحيحة على مذهب أبي حنيفة ، إذ هو مذهبه . وقد فسر ابن عباس وغيره الاستمتاع هنا بالوطء ، لأن إيتاء الأجر كاملا لا يترتب إلا عليه ، وذلك على مذهبه ومذهب من يرى ذلك .

وقال ابن عباس أيضا و مجاهد ، والسدي ، وغيرهم : الآية في نكاح المتعة . وقرأ أبي ، وابن عباس ، وابن جبير : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن . وقال ابن عباس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله . وروي عن علي أنه قال : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي . وروي عن ابن عباس : جواز نكاح المتعة مطلقا . وقيل عنه : بجوازها عند الضرورة ، والأصح عنه الرجوع إلى تحريمها . واتفق على تحريمها فقهاء الأمصار . وقال عمران بن حصين : أمرنا رسول الله بالمتعة ، ومات بعدما أمرنا بها ، ولم ينهنا عنه قال رجل بعده برأيه ما شاء . وعلى هذا جماعة من أهل البيت والتابعين . وقد ثبت تحريمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث علي وغيره . وقد اختلفوا في ناسخ نكاح المتعة ، وفي كيفيته ، وفي شروطه ، وفيما يترتب عليه من لحاق ولد أو حد بما هو مذكور في كتب الفقه ، وكتب أحكام القرآن ، و ( ما ) من قوله : فما استمتعتم به منهن - مبتدأ . ويجوز أن تكون شرطية ، والخبر الفعل الذي يليها ، والجواب : فآتوهن ، ولا بد إذ ذاك من راجع يعود على اسم الشرط . فإن كانت ( ما ) واقعة على الاستمتاع فالراجع محذوف ، تقديره : فآتوهن أجورهن من أجله أي : من أجل ما استمتعتم به . وإن كانت ( ما ) واقعة على النوع المستمتع به من الأزواج ، فالراجع هو المفعول بآتوهن وهو الضمير ، ويكون أعاد أولا في ( به ) على لفظ ما ، وأعاد على المعنى في : فآتوهن ، و ( من ) في : ( منهن ) على هذا يحتمل أن يكون تبعيضا . وقيل : يحتمل أن يكون للبيان . ويجوز أن تكون ( ما ) موصولة ، وخبرها إذ ذاك هو ( فآتوهن ) ، والعائد الضمير المنصوب في : ( فآتوهن ) إن كانت واقعة على النساء ، أو محذوف إن كانت واقعة على الاستمتاع على ما بين قبل .

والأجور : هي المهور . وهذا نص على أن المهر يسمى أجرا ، إذ هو مقابل لما يستمتع به . وقد اختلف في المعقود عليه بالنكاح ما هو ؟ أهو بدن المرأة ، أو منفعة العضو ، أو الكل ؟ وقال القرطبي : الظاهر المجموع ، فإن العقد يقتضي كل هذا . وإن كان الاستمتاع هنا المتعة ، فالأجر هنا لا يراد به المهر بل العوض كقوله : ( ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) وقوله : ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) [ ص: 219 ] وظاهر الآية : أنه يجب المسمى في النكاح الفاسد لصدق قوله : فما استمتعتم به منهن عليه . جمهور العلماء على أنه لا يجب فيه إلا مهر المثل ، ولا يجب المسمى . والحجة لهم : ( أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها مهر مثلها ) وانتصب ( فريضة ) على الحال من ( أجورهن ) ، أو مصدر على غير الصدر . أي : فآتوهن أجورهن إيتاء ، لأن الإيتاء مفروض . أو مصدر مؤكد ، أي : فرض ذلك فريضة .

التالي السابق


الخدمات العلمية