الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 73 ] فصل في عقيدة التثليث

                          قلنا : إن هذه العقيدة وثنية نقلها الوثنيون المتنصرون إلى النصرانية ، وفسروا بعض الألفاظ الواردة في كتبهم اليهودية على أن تعطيهم شبهة يتكئون عليها في هذا التضليل ، وأرغموها عليه بضرب من التحريف والتأويل ، هدموا به آيات التوحيد القوية البنيان ، العالية الأركان ; أما كون هذه العقيدة وثنية ، فقد بينه علماء أوربة بالتفصيل ، وأتوا عليه بالشواهد الكثيرة من الآثار القديمة والتاريخ ، وإننا نشير إلى قليل منها في هذا المقام .

                          1 - التثليث عند البراهمة :

                          قال موريس في ( ص 35 من المجلد السادس من كتابه : الآثار الهندية القديمة ) ما ترجمته : " كان عند أكثر الأمم الوثنية البائدة تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي ، أو الثالوثي " .

                          وقال دوان ( في ص 366 من كتابه : خرافات التوراة وما يماثلها في الأديان الأخرى ) إذا رجعنا البصر إلى الهند نرى أن أعظم وأشهر عبادتهم اللاهوتية هو التثليث ، ويسمون هذا التعليم بلغتهم " تري مورتي " وهي عبارة مركبة من كلمتين بلغتهم السنسكريتية : ( تري ) ومعناها ثلاثة ، و ( مورتي ) ومعناها هيئات أو أقانيم ، وهي برهما ، وفشنو وسيفا . ثلاثة أقانيم متحدة لا تنفك عن الوحدة ; فهي إله واحد ( بزعمهم ) .

                          وقد شرح المؤلف معنى هذه الأصول أو الأقانيم عندهم ، وذكر أنهم يرمزون إليها بثلاثة أحرف وهي ( أ . و . م ) وأنهم يصفون هذا الثالوث المقدس الذي لا ينقسم في الجوهر ولا في الفعل ولا في الاتحاد ، بقولهم : برهما الممثل لمبادئ التكوين والخلق ، ولا يزال خلاقا إلهيا ، وهو ( الآب ) وفشنو يمثل حفظ الأشياء المكونة ( أي من الزوال والفساد ) وهو الابن المنبثق والمتحول عن اللاهوتية ، وسيفا هو المهلك والمبيد والمبدئ والمعيد ( أي الذي له التصرف والتحويل في الكون ) وهو ( روح القدس ) ويدعونه ( كرشنا ) الرب المخلص والروح العظيم الذي ولد منه ( فشنو ) الإله الذي ظهر بالناسوت على الأرض ليخلص الناس ، فهو أحد الأقانيم الثلاثة التي هي الإله الواحد .

                          إلى آخر ما قال ، ومنه أنهم يرمزون للأقنوم الثالث بصورة حمامة ، وهذه عين عقيدة النصارى في التثليث من كل وجه ، فهي عقيدة برهمية وثنية ، أخذها النصارى عن البراهمة وصاروا يدعونهم أخيرا إليها .

                          وكان منتهى شوط أحد اليسوعيين في التفرقة بينهما أن ثالوث البراهمة وأمثالهم نجس ، [ ص: 74 ] وثالوث النصارى مقدس ! فإذا قال لهم الوثنيون : الأمر بالعكس فارجعوا إلى الأصل ودعوا المبتدع . فبماذا يحجونهم ؟

                          والذي يظهر لي أن التوحيد هو أصل عقيدة البراهمة ، وأن أول رسول أرسل إليهم وصف لهم الإله بثلاث صفات هي التي تظهر بها حقيقة الألوهية ، وهي ( 1 ) ما به الخلق والإيجاد ، و ( 2 ) الحفظ والإمداد ، و ( 3 ) التصرف والتغيير في عالم الكون والفساد ، فلما طال عليهم الأمد ودبت إليهم الوثنية ، جعلوا لكل فعل من هذه الأفعال إلها ، وجعلوا أسماء الصفات أسماء أقانيم وذوات ، ولما كانوا ناقلين بالتواتر كلمة التوحيد ، وأن الله إله واحد ، قالوا : إن الثلاثة واحد ، وكل واحد منها عين الثلاثة . وسرت هذه العقيدة إلى غيرهم من الوثنيين في الشرق والغرب .

                          وللهنود تماثيل للوحدة والتثليث ، رأيت واحدا منها في دار العاديات التي بنتها الحكومة الهندية الإنكليزية في ضواحي مدينة بنارس ( المقدسة عند البراهمة ) وهو تمثال واحد له ثلاثة وجوه . ولعله هو الذي قال عنه موريس ( في ص 372 من المجلد الرابع من كتابه آثار الهند القديمة ) : لقد وجدنا في أنقاض هيكل قديم قوضه مرور القرون صنما له ثلاثة رءوس على جسد واحد ، والمقصود منه الرمز للثالوث .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية