الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1781 حديث ثامن لإسحاق ، عن أنس مسند

مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه - قال : الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .

[ ص: 280 ]

التالي السابق


[ ص: 280 ] قال أبو عمر : هذا حديث لا يختلف في صحته ، وروي أيضا من وجوه كثيرة عن جماعة من الصحابة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ مختلفة ، فمن ذلك حديث أنس ، عن النبي عليه السلام كما رواه شعبة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما رواه مالك ، وقد روي عن أنس ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي - صلى الله عليه - رواه شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه - قال : رؤيا المومن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وكذلك رواه أبو هريرة ، عن النبي عليه السلام من حديث سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبي صالح السمان ، وعبد الرحمن الأعرج ، ومحمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، وكذلك رواه عبد الله بن عمرو بن العاصي ، عن النبي عليه السلام من حديث ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دراج أبي السمح ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ، وأخطأ فيه رشدين بن سعد ، فرواه عن عمرو بن الحارث ، عن دراج بإسناده فقال فيه : جزء من تسعة وأربعين جزءا من النبوة ، ورواه أبو سعيد الخدري ، عن النبي عليه السلام ، فقال فيه : جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة ، من حديث الليث بن سعد ، عن يزيد بن الهادي ، عن عبد الله بن خباب [ ص: 281 ] عن أبي سعيد الخدري ، وكذلك رواه ابن جريج ، عن ابن أبي حسين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي عليه السلام ، قال : الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة وقد روي من حديث عبادة ، عن النبي عليه السلام ، قال : الرؤيا الصالحة جزء من أربعة وأربعين جزءا من النبوة بإسناد فيه لين .

وقد حدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا ابن أبي العقب قال : حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال : حدثنا أحمد بن خالد الذهبي قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن سلمان بن عريب قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا الرجل الصالح بشرى من الله جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال سلمان : فحدثت به ابن عباس ، فقال : من خمسين جزءا من النبوة ، فقلت : إني سمعت أبا هريرة يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، فقال ابن عباس : سمعت العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصالحة من المومن جزء من خمسين جزءا من النبوة وقد حدث هذا الحديث أبو سلمة عمر بن عبد العزيز ، فقال عمر : لو كانت جزءا من عدد الحصا لرأيتها صدقا ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة من حديث عبد الله بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه عبيد الله بن عمرو بن جريج ، وعبد العزيز بن أبي رواد [ ص: 282 ] عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه - ، حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه - الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة وهذا حديث صحيح الإسناد لا يختلف في صحته ، وقد روي عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أسود بن عامر قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : رؤيا المسلم جزء من سبعين جزءا من النبوة ، وروى عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

قال أبو عمر : حديث أنس بن مالك أخبرناه عبد الله بن محمد بن أسد ، حدثنا بكر بن محمد بن العلاء ، حدثنا الحسن بن المثنى بن دجانة ، حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار قال : حدثنا ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ، ورؤيا المومن جزء من ستة وعشرين جزءا من النبوة هكذا في حديث أنس هذا ، وهو حسن الإسناد [ ص: 283 ] " جزء من ستة وعشرين جزءا " ورواه أبو رزين العقيلي ، فقال فيه : جزء من أربعين جزءا ، حدثناه عبد الله ، حدثنا بكر ، حدثنا الحسن بن المثنى ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد قال : أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن عدس ، عن عمه أبي رزين العقيلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا جزء من أربعين جزءا من النبوة ، والرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدث بها صاحبها ، فإذا حدث بها وقعت ، فلا تحدثوا بها إلا عاقلا أو محبا أو ناصحا .

قال أبو عمر : اختلاف آثار هذا الباب في عد أجزاء الرؤيا من النبوة ليس ذلك عندي باختلاف تضاد وتدافع ، والله أعلم ; لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على ستة وأربعين جزءا ، أو خمسة وأربعين جزءا ، أو أربعة وأربعين جزءا ، أو خمسين جزءا ، أو سبعين جزءا ، على حسب ما يكون الذي يراها من صدق الحديث وأداء الأمانة ، والدين المتين وحسن اليقين ، فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد ، والله أعلم .

فمن خلصت له نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه ، كانت رؤياه أصدق وإلى النبوة أقرب [ ص: 284 ] كما أن الأنبياء يتفاضلون ، والنبوة كذلك ، والله أعلم ، قال الله عز وجل ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض .

حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كان من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون به نبيا ، وكان منهم من يرى في المنام فيكون بذلك نبيا ، وكان منهم من ينفث في أذنه وقلبه فيكون بذلك نبيا ، وإن جبريل يأتيني فيكلمني كما يكلم أحدكم صاحبه .

قال أبو عمر : هذا على أنه يكلمه جبريل كثيرا بالوحي في الأغلب من أمره ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم وفي حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه - قيل له : كيف يأتيك الوحي ؟ قال : يأتيني الوحي أحيانا في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت ما قال وقد كان يتراءى له جبريل من السحاب ، وكان أول ما ابتدئ من النبوة أنه كان يرى الرؤيا ، فتأتي كأنها فلق الصبح ، وربما جاء جبريل في صفة إنسان حسن الصورة فيكلمه ، وربما اشتد عليه حتى يغط غطيط البكر ، ويئين ويحمر وجهه ، إلى ضروب كثيرة يطول ذكرها .

[ ص: 285 ] وقد يحتمل أن تكون الرؤيا جزءا من النبوة ; لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران وقلب الأعيان ، ولها التأويل الحسن ، وربما أغنى بعضها عن التأويل .

وجملة القول في هذا الباب أن الرؤيا الصادقة من الله وأنها من النبوة ، وأن التصديق بها حق ، وفيها من بديع حكمة الله ولطفه ما يزيد المومن في إيمانه .

ولا أعلم بين أهل الدين والحق من أهل الرأي والأثر خلافا فيما وصفت لك ، ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد ، وشرذمة من المعتزلة .

وأما قوله - صلى الله عليه - في الحديث الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح وربما جاء في الحديث " الرؤيا الصالحة " فقط ، وربما جاء في الحديث أيضا " رؤيا المومن " فقط ، وربما جاء " يراها الرجل الصالح أو ترى له " يعني من صالح وغير صالح ، وهي ألفاظ المحدثين ، والله أعلم بها .

والمعنى عندي في ذلك على نحو ما ظهر إلي في الأجزاء المختلفة من النبوة ، والرؤيا إذا لم تكن من الأضغاث والأهاويل ، فهي الرؤيا الصادقة ، وقد تكون الرؤيا الصادقة من الكافر ومن الفاسق ، كرؤيا الملك التي فسرها يوسف صلى الله عليه وسلم ، ورؤيا الفتيين في السجن ، ورؤيا بختنصر التي فسرها دانيال في ذهاب ملكه ، ورؤيا كسرى في ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ، ورؤيا عاتكة عمة رسول الله - صلى الله عليه - في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثل هذا كثير ، وقد قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا أقساما تغني عن قول كل قائل .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد الحلي القاضي قال : حدثنا محمد بن جعفر بن يحيى بن رزين بحمص قال : [ ص: 286 ] حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا يحيى بن حمزة قال : حدثنا يزيد بن عبيدة قال : حدثنا مسلم بن مشكم ، عن عوف بن مالك ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا ثلاثة ، منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهم به في يقظته فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال : قلت : سمعت من رسول الله - صلى الله عليه - ؟ قال : نعم ، سمعته من رسول الله صلى الله عليه . وذكره ابن أبي شيبة ، عن المعلى بن منصور ، عن يحيى بن حمزة ، عن يزيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الله ، عن عوف بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه - مثله ، وهذا يفسر قوله في حديث إسحاق " الرؤيا الحسنة إنها ما لم تكن من أهاويل الشيطان ، ولا مما يهم به الإنسان في يقظته ويشغل بها نفسه " ذكر عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المومن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ، والرؤيا ثلاثة : الرؤيا الحسنة بشرى من الله ، والرؤيا يحدث بها الرجل نفسه ، والرؤيا تحزين من الشيطان ، فإذا رأى [ ص: 287 ] أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدث بها أحدا ، وليقم فليصل قال أبو هريرة : يعجبني القيد ، وأكره الغل ، القيد ثبات في الدين .

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا مضر بن محمد الكوفي قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان بن زياد المصيصي قال : حدثنا مخلد بن حسين ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المومن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، والرؤيا ثلاثة : فالرؤيا الحسنة من الله ، والرؤيا من تحزين الشيطان ، والرؤيا يحدث بها الإنسان نفسه ، فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به وليقم فليصل قال أبو هريرة : أحب القيد في النوم ، وأكره الغل ، والقيد ثبات في الدين .

وروى قتادة ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض هذا الحديث ، وذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، ووكيع ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن علقمة قال : قال عبد الله : الرؤيا ثلاثة : حضور الشيطان ، والرجل يحدث نفسه بالنهار فيراه بالليل ، والرؤيا التي هي الرؤيا وأولى ما اعتمد عليه في عبارة الرؤيا ، والأدب فيها لمن رآها أو قصت عليه - ما حدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا ابن [ ص: 288 ] المفسر قال : حدثنا أحمد بن علي قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا يحيى بن صالح ، عن سليمان بن بلال ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها وليفسرها ، وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوءه ، فلا يذكرها ولا يفسرها وقيل لمالك رحمه الله : أيعبر الرؤيا كل أحد ؟ فقال : أبالنبوة يلعب ؟ وقال مالك : لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها ، فإن رأى خيرا أخبر به ، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت ، قيل : فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال إنها على ما أولت عليه ؟ فقال : لا ، ثم قال : الرؤيا جزء من النبوة ، فلا يتلاعب بالنبوة .




الخدمات العلمية