الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 2092 ] 3189 - وعن جدامة بنت وهب قالت : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس وهو يقول لقد هممت أنهى عن الغيلة ، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا ، ثم سألوه عن العزل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ذلك الوأد الخفي وهي ( وإذا الموءودة سئلت ) . رواه مسلم .

التالي السابق


3189 - ( عن جدامة ) بضم الجيم والدال المهملة ويروى بالذال المعجمة قال الدارقطني وهو تصحيف ذكره المؤلف ( بنت وهب ) أي : أخت عكاشة ( قالت حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس ) أي : مع جماعة من الناس ( وهو يقول لقد هممت ) أي : قصدت ( أن أنهى عن الغيلة ) بكسر الغين المعجمة أي الإرضاع حال الحمل . والغيل : بالفتح اسم ذلك اللبن كذا قيل ، وفي النهاية : الغيلة بالكسر الاسم من الغيل ، وبالفتح : هو أن يجامع الرجل زوجته وهي مرضعة وكذلك إذا حملت وهي مرضع ، وقيل : كلاهما بمعنى ، وقيل : الكسر للاسم والفتح للمرة ، وقيل : لا يصح الفتح إلا مع حذف التاء اه . قال يحيى قال مالك : الغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع اه ، تابعه الأصمعي وغيره من أهل اللغة ، وقال ابن السكيت : أن ترضع وهي حامل ( فنظرت في الروم وفارس ) بكسر الراء وعدم الصرف ( فإذا هم يغيلون ) بضم أوله ( أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك ) أي : الغيل ( شيئا ) من الضرر ، قال العلماء : وسبب همه عليه الصلاة والسلام بالنهي أنه خاف معه ضرر الولد الرضيع لأن الأطباء يقولون إن ذلك اللبن داء والعرب تكرهه وتتقيه ذكره السيوطي ، قال القاضي : كان العرب يحترزون عن الغيلة ويزعمون أنها تضر الولد وكان ذلك من المشهورات الذائعة عنده فأراد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن ينهى عنها لذلك فرأى أن فارس والروم يفعلون ذلك ولا يبالون به ثم إنه لا يعود على أولادهم بضرر فلا ينه ( ثم سألوه عن العزل ) أي : عن جوازه مطلقا أو حين الإرضاع أو حال الحبل ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ) أي : العزل ( الوأد الخفي ) قال النووي : الوأد دفن البنت حية وكانت العرب تفعل ذلك خشية الإملاق والعار اه . شبه ، صلى الله عليه وسلم ، إضاعة النية التي أعدها الله تعالى ليكون الولد منها بالوأد ; لأنه يسعى في إبطال ذلك الاستعداد بعزل الماء عن محله وهذا دليل لمن لم يجوز العزل . ومن جوزه يقول هذا منسوخ أو تهديد أو بيان الأولى وهو الأولى ( وهي ) الضمير راجع إلى مقدر أي هذه الفعلة القبيحة مندرجة في الوعيد تحت قوله تعالى ( وإذا الموءودة ) أي البنت المدفونة حية ( سئلت ) أي : يوم القيامة بأي ذنب قتلت ، قيل ذلك لا يدل على حرمة العزل بل على كراهته ; إذ ليس في معنى الوأد الخفي ، لأنه ليس فيه إزهاق الروح بل يشبهه ( رواه مسلم ) . قال ابن الهمام : وصح عن ابن مسعود أنه قال : هي الموءودة الصغرى وصح عن أبي أمامة أنه سئل عنه ، فقال : ما كنت أرى مسلما يفعله ، وقال نافع : عن ابن عمر ضرب عمر على العزل بعض بنيه ، وعن عمر وعثمان أنهما كانا ينهيان عن العزل اه . والظاهر أن النهي محمول على التنزيه ، قال القاضي : وإنما جعل العزل وأدا خفيا لأنه في إضاعة النطفة التي هيأها الله لأن تكون ولدا ، شبه إهلاك الولد ودفنه حيا ، لكن لا شك في أنه دونه ; فلذلك جعله خفيا واستدل به من حرم العزل وهو ضعيف ; إذ لا يلزم من حرمة الوأد الحقيقي حرمة ما يضاهيه بوجه ولا يشاركه فيما هو علة الحرمة وهي إزهاق الروح وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولكنه يدل على الكراهة ، ويؤيده ما ذكره ابن الهمام أن عمر وعليا اتفقا على أنها لا تكون موءودة حتى تمر عليه التاءات السبع ، أسند أبو يعلى وغيره عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال : جلس إلى عمر وعلي والزبير وسعد في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتذاكروا العزل ، فقالوا : لا بأس به ، فقال رجل منهم إنهم يزعمون أنها الموءودة الصغرى ، فقال علي لا تكون موءودة حتى تمر عليها التاءات السبع حتى تكون سلالة من طين ثم تكون نطفة ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم تكون عظما ثم تكون لحما ثم تكون خلقا آخر فقال عمر : صدقت أطال الله بقاءك ، قال وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ قال يباح ما لم يتخلق شيء منه ، ثم في غير موضع قالوا : ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة .




الخدمات العلمية