الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

4622 - عن أبي رزين العقيلي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها ، فإذا حدث بها وقعت " . وأحسبه قال : " لا تحدث إلا حبيبا أو لبيبا " . رواه الترمذي . وفي رواية أبي داود ، قال : " الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ، فإذا عبرت وقعت " . وأحسبه قال : " ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي " .

التالي السابق


الفصل الثاني

4622 - ( عن أبي رزين العقيلي ) : بالتصغير واسمه لقيط بن عامر بن صبرة ، وهو صحابي مشهور ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وهي ) أي : رؤيا المؤمن أو الرؤيا مطلقا ، وهو الأظهر وقد ورد به بعض الأثر ( على رجل طائر ) : هذا مثل في عدم تقرر الشيء ، أي : لا تستقر الرؤيا قرارا كالشيء المعلق على رجل طائر ، ذكره ابن الملك ، فالمعنى : أنها كالشيء المعلق برجل الطائر لا استقرار لها ( ما لم يحدث ) أي : ما لم يتكلم المؤمن أو الرائي ( بها ) ، أي : بتلك الرؤيا أو تعبيرها ( فإذا حدث بها وقعت ) أي : تلك الرؤيا على الرائي يعني : يلحقه حكمها ، هذا وفي النهاية كل حركة من كلمة أو جار مجراها ، فهو طائر مجازا أراد على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر ، ومعناه : لا يستقر تأويلها حتى تعبر ؛ يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت ، كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله ، فكيف ما يكون على رجله . وقال الطيبي : التركيب من باب التشبيه التمثيلي ، شبه الرؤيا بالطير السريع طيرانه ، وقد علق على رجله شيء يسقط بأدنى حركة فينبغي أن يتوهم للمشبه حالات متعددة مناسبة لهذه الحالات ، وهي أن الرؤيا مستقرة على ما يسوقه التقدير إليه من التعبير ، فإذا كانت في حكم الواقع قيض ، وألهم من يتكلم بتأويلها على ما قدر فيقع سريعا ، وإن لم يكن في حكمه لم يقدر لها من يعبرها .

( وأحسبه ) : بكسر السين وفتحها أي : أظنه - صلى الله عليه وسلم - ( قال : لا تحدث ) : بصيغة نهي المخاطب كأنه خطاب للراوي أو لمطلق الرائي ، أي : لا تخبر برؤياك ( إلا حبيبا ) أي : محبا لا يعبر لك إلا بما يسرك ( أو لبيبا ) أو للتنويع ، أي : عاقلا ، فإنه إما أن يعبر بالمحبوب أو يسكت عن المكروه ، ولذا قيل : عدو عاقل خير من صديق جاهل ، أو المراد باللبيب العالم فيوافق الرواية الآتية ، أو ذي رأي وسيأتي معناه . ( رواه الترمذي ) : وفي الجامع الصغير : رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة . رواه أحمد والشيخان عن أنس ، وكذا هم ، وأبو داود والترمذي عن عبادة بن الصامت ، وكذا أحمد والشيخان وابن ماجه عن أبي هريرة ، وأما حديث أبي رزين ، فقد رواه الترمذي عنه بلفظ : رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها ، فإذا تحدث بها سقطت ، ولا تحدث بها إلا لبيبا أو حبيبا .

( وفي رواية أبي داود ) ، أي : عن أبي رزين ، وكذا في رواية لابن ماجه عنه على ما في الجامع الصغير بدون قوله : وأحسبه قال : ( قال : الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ) ، على بناء المجهول وبتخفيف الباء في أكثر الروايات أي : ما لم تفسر ( فإذا عبرت وقعت وأحسبه ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال : ولا تقصها ) : بفتح الصاد المشددة وجوز ضمها ، والأول أفصح ، والثاني يجوز أن يراد به النهي أو النفي معناه النهي للمبالغة ، وأما قول الصرفيين يجب الفتح في نحو : ردها ; لأن الهاء - لخفائها كالعدم ، وكأن الألف واقعة بعد الدال ، فإنما هو بخصوص الأمر ، فإنه صيغة غير مشتركة بخلاف نحو لا تردها ولا ترده فتدبر ، وخذ ما صفا ودع ما تكدر ، والمعنى : لا تعرض رؤياك ( إلا على واد ) : بتشديد الدال أي : محب ; لأنه لا يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب .

قال النووي : يشبه أنه يراد به أنه إذا أخبر بها من لا يحبه ربما حمله البغض والحسد على تفسيرها بمكروه فيقع على تلك الصفة ، فإن الرؤيا على رجل طائر ومعناه : أنها إذا كانت تحتمل وجهين ، ففسرت بأحدهما

[ ص: 2930 ] وقعت على تلك الصفة ، وقد يكون ظاهر الرؤيا مكروها ، وتفسيرها محبوب وعكسه ، وهذا أمر معروف لأهله . قلت : ويمكن أن يقال : المراد بتخصيص الرائي أنه إذا أخبر البغيض له أو الحسود عليه بما يدل على رفعة شأنه ، وعظمة جاهه ، وكثرة ماله ، ومذلة أعدائه ، ومعزة أحبائه ربما يجتهد في دفعه أولا ، ويمكر في خفض دفعه ثانيا بتعبير يجر إلى تغيير أو تعيير ، ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى حكاية عن يعقوب وصية ليوسف عليهما السلام " لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا " ( أو ذي رأي ) أي : عاقل أو عالم . قال الزجاج : معناه ذو علم بعبارة الرؤيا ، فإنه يخبرك بحقيقة تفسيرها ، أو بأقرب ما يعلم منه لا أن تعبيره يزيلها عما جعلها الله عليه . قال التوربشتي : فإن قيل : كيف له التخير فيما يعبر به على ما ورد به الحديث - ولا يقصها إلا على واد ، أي : ذي رأي - والأقضية لا ترد بالتوقي عن الأسباب ، ولا تختلف أحكامها باختلاف الدواعي ، قلنا : هو مثل السعادة والشقاوة والسلامة والآفة المقضي بكل واحد منها لصاحبها ، ومع ذلك فقد أمر العبد بالتعرض للمحمود منها ، والحذر عن المكروه منها .




الخدمات العلمية