الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 483 ] 65 - قالوا : حديث يبطله حجة العقل

        تعبير الرؤيا

        قالوا : رويتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ، فإذا عبرت وقعت .

        قالوا : كيف تكون الرؤيا على رجل طائر ؟ وكيف تتأخر عما تبشر به أو تنذر منه بتأخر العبارة لها وتقع إذا عبرت ؟ وهذا يدل على أنها إن لم تعبر لم تقع .

        قال أبو محمد : ونحن نقول : إن هذا الكلام خرج مخرج كلام العرب ، وهم يقولون للشيء إذا لم يستقر : هو على رجل طائر ، وبين مخاليب طائر ، وعلى قرن ظبي ، يريدون أنه لا يطمئن ولا يقف . قال رجل في الحجاج بن يوسف :


        كأن فؤادي بين أظفار طائر من الخوف في جو السماء محلق     حذار امرئ قد كنت أعلم أنه
        متى ما يعد من نفسه الشر يصدق

        [ ص: 484 ] وقال المرار يذكر فلاة تنزو من مخافتها قلوب الأدلاء :


        كأن قلوب أدلائها     معلقة بقرون الظباء



        يريد أنها تنزو وتجب ، فكأنها معلقة بقرون الظباء ؛ لأن الظباء لا تستقر ، وما كان على قرونها فهو كذلك ، وقال امرؤ القيس :


        ولا مثل يوم في قدار ظللته     كأني وأصحابي على قرن أعفرا


        يريد أنا لا نستقر ولا نطمئن ، فكأنا على قرن ظبي ، وكذلك الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر يراد أنها تجول في الهواء حتى تعبر ، فإذا عبرت وقعت ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر ، وإنما أراد بذلك العالم بها المصيب الموفق ، وكيف يكون الجاهل المخطئ في عبارتها لها عابرا وهو لم يصب ولم يقارب ، وإنما يكون عابرا لها إذا أصاب ، يقول الله - عز وجل - إن كنتم للرؤيا تعبرون يريد إن كنتم تعلمون عبارتها .

        [ ص: 485 ] ولا أراد أن كل رؤيا تعبر وتتأول ؛ لأن أكثرها أضغاث أحلام ، فمنها ما يكون عن غلبة الطبيعة ، ومنها ما يكون عن حديث النفس ، ومنها ما يكون من الشيطان ، وإنما تكون الصحيحة التي يأتي بها الملك ملك الرؤيا ، عن نسخة أم الكتاب في الحين بعد الحين .

        قال أبو محمد : حدثني يزيد بن عمرو بن البراء قال : حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال : حدثنا قرة بن خالد قال : سمعت محمد بن سيرين يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا ثلاثة : فرؤيا بشرى من الله تعالى ، ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا يحدث بها الإنسان نفسه فيراها في النوم .

        وحدثني سهل بن محمد قال : حدثنا الأصمعي ، عن أبي المقدام ، أو قرة بن خالد قال : كنت أحضر ابن سيرين يسأل عن الرؤيا ، فكنت أحزره يعبر من كل أربعين واحدة أو قال : أحزوه .

        وهذه الصحيحة هي التي تجول حتى يعبرها العالم بالقياس الحافظ للأصول الموفق للصواب ، فإذا عبرها وقعت كما عبر .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية