الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 427 ] ( وطلاق المكره واقع ) خلافا للشافعي رحمه الله . هو يقول إن الإكراه لا يجامع الاختيار ، وبه يعتبر التصرف الشرعي بخلاف الهازل ; لأنه مختار في [ ص: 428 ] التكلم بالطلاق . ولنا أنه قصد إيقاع الطلاق في منكوحته في حال أهليته ، [ ص: 429 ] فلا يعرى عن قضيته دفعا لحاجته اعتبارا بالطائع ، وهذا ; لأنه عرف الشرين واختار أهونهما ، وهذا آية القصد والاختيار إلا أنه غير راض بحكمه وذلك غير مخل به كالهازل .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        أحاديث في طلاق المكره : لأصحابنا في وقوعه حديث ، رواه العقيلي في " كتابه " أخبرنا مسعدة بن سعد ثنا إسماعيل بن عياش ثنا الغازي بن جبلة الجبلاني عن صفوان بن غزوان الطائي أن { رجلا كان نائما فقامت امرأته ، فأخذت سكينا ، فجلست على صدره ، فوضعت السكين على حلقه ، فقالت : لتطلقني ثلاثا ، أو لأذبحنك ، فناشدها الله ، فأبت ، فطلقها ثلاثا ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فقال : لا قيلولة في الطلاق }انتهى .

                                                                                                        قال : وحدثنا يحيى بن عثمان ثنا نعيم بن حماد ثنا بقية عن الغازي بن جبلة عن صفوان الأصم الطائي عن رجل من الصحابة أن رجلا كان نائما مع امرأته ، الحديث ; قال ابن القطان في " كتابه " : الأول وإن كان مرسلا لكنه أحسن إسنادا من المسند ، فإنه سالم من بقية ، ومن نعيم بن حماد ، وفيه إسماعيل بن عياش ، وهو يروى عن شامي ; وبالجملة فلا بد فيه من الغازي بن جبلة ، وهو لا يعرف إلا به ، ولا يدري ممن الجناية فيه ، أمنه أم من صفوان الأصم ؟ حكى ذلك ابن أبي حاتم عن أبيه ، وقال : هو منكر الحديث يعني [ ص: 428 ] الغازي بن جبلة وقال البخاري : هو منكر الحديث في " طلاق المكره " ; وقال في " التنقيح " : قال البخاري : لصفوان الأصم عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في " طلاق المكره " حديث منكر ، لا يتابع عليه انتهى .

                                                                                                        الآثار : أخرج عبد الرزاق في " مصنفه " عن ابن عمر أنه أجاز طلاق المكره ، وأخرج عن الشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وقتادة ، وأبي قلابة أنهم أجازوه ; وأخرج عن سعيد بن جبير أنه بلغه قول الحسن : ليس طلاق المكره بشيء ، فقال : يرحمه الله إنما كان أهل الشرك يكرهون الرجل على الكفر والطلاق ، فذلك الذي ليس بشيء ، وأما ما صنع أهل الإسلام بينهم فهو جائز انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن الشعبي ، والنخعي ، وابن المسيب ، وأبي قلابة ، وشريح .

                                                                                                        أحاديث الخصوم : واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " للشافعي ، وأحمد على عدم وقوعه بما أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن صفية بنت شيبة عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا طلاق ولا عتاق في إغلاق }انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : أظنه الغضب يعني الإغلاق قال ابن الجوزي : قال ابن قتيبة : الإغلاق الإكراه ; ورواه الحاكم في [ ص: 429 ] المستدرك " ، وقال : على شرط مسلم ، قال في " التنقيح " : وقد فسره أحمد أيضا بالغضب ، قال شيخنا : والصواب أنه يعم الإكراه ، والغضب ، والجنون ، وكل أمر انغلق على صاحبه علمه وقصده ، مأخوذ من غلق الباب ، واستدل عليه بحديث : { رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه } ، وهذا الحديث تقدم في " الصلاة " بجميع طرقه ، وأصحها حديث ابن عباس : رواه ابن حبان ، وابن ماجه ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط الشيخين ، والله أعلم .

                                                                                                        الآثار : روى مالك في " الموطإ " عن مالك عن ثابت الأحنف أنه تزوج أم ولد لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، قال : فدعاني ابنه عبد الله بن عبد الرحمن ، فإذا بسياط موضوعة ، وقيدين من حديد ، وعبدين قد أجلسهما ، وقال لي : تزوجت أم ولد أبي بغير رضائي ، فأنا لا أزال أضربك حتى تموت ، ثم قال : طلقها وإلا فعلت ، فقلت : هي طالق ألفا ، فلما خرجت من عنده أتيت عبد الله بن عمر فأخبرته ، فقال : ليس هذا بطلاق ، ارجع إلى أهلك ، فأتيت عبد الله بن الزبير فقال مثل ذلك انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : أخرج البيهقي في " المعرفة " عن عبد الملك بن قدامة بن إبراهيم الجمحي عن أبيه ، أن رجلا تدلى بحبل فوقفت امرأته على رأس الحبل ، وحلفت لتقطعنه ، أو لتطلقني ثلاثا ، فذكرها الله ، فأبت ، فطلقها ثلاثا ، فلما ظهر أتى عمر بن الخطاب ، فأخبره ، فقال له : ارجع إلى أهلك ، فليس هذا بطلاق انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : وأخطأ أبو عبيد ، فرواه عن عبد الملك به فذكر القصة ، وقال فيها : فرفع إلى عمر فأبانها منه ، وقد تنبه له أبو عبيد فقال : وروي عن عمر بخلافه ، والخبر على الروايتين منقطع انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : قدامة الجمحي لم يدرك عمر انتهى . وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن ابن عباس ، قال : ليس لمكره طلاق ، وكذا عن علي وعمر ، وابن عمر ، وابن الزبير .

                                                                                                        وعن عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وعطاء ، والضحاك ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية