الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإن ترك الذابح التسمية عمدا فالذبيحة ميتة لا تؤكل وإن تركها [ ص: 36 ] ناسيا أكل ) وقال الشافعي رحمه الله أكل في الوجهين ، وقال مالك رحمه الله لا يؤكل في الوجهين والمسلم والكتابي في ترك التسمية سواء وعلى هذا الخلاف إذا ترك التسمية عند إرسال البازي والكلب وعند الرمي ، وهذا القول من الشافعي رحمه الله مخالف للإجماع فإنه لا خلاف فيمن كان قبله في حرمة متروك التسمية عامدا ، وإنما الخلاف بينهم في متروك التسمية ناسيا ، فمن مذهب ابن عمر رضي الله عنهما أنه يحرم ، ومن مذهب علي وابن عباس رضي الله عنهم أنه يحل ، بخلاف متروك التسمية عامدا ، ولهذا قال أبو يوسف والمشايخ رحمهم الله: إن متروك التسمية عامدا لا يسع فيه الاجتهاد ، ولو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ لكونه مخالفا للإجماع ، له قوله عليه الصلاة والسلام : [ ص: 37 ] { المسلم يذبح على اسم الله تعالى سمى أو لم يسم }ولأن التسمية لو كانت شرطا للحل لما سقطت بعذر النسيان كالطهارة في باب الصلاة ، ولو كانت شرطا فالملة أقيمت مقامها كما في الناسي . [ ص: 38 ] ولنا الكتاب وهو قوله تعالى{ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه }الآية نهي وهو للتحريم ، والإجماع وهو ما بينا ، والسنة وهو حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه فإنه عليه الصلاة والسلام قال في آخره : { فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك }علل الحرمة بترك التسمية ومالك رحمه الله يحتج بظاهر ما ذكرنا ; إذ لا فصل فيه ، ولكنا نقول في اعتبار [ ص: 39 ] ذلك من الحرج ما لا يخفى ، لأن الإنسان كثير النسيان ، والحرج مدفوع والسمع غير مجرى على ظاهره ، إذ لو أريد به لجرت المحاجة وظهر الانقياد وارتفع الخلاف في الصدر الأول ، والإقامة في حق الناسي ، وهو معذور لا يدل عليها في حق العامد ولا عذر وما رواه محمول على حالة النسيان ، ثم التسمية في ذكاة الاختيار تشترط عند الذبح وهي على المذبوح وفي الصيد تشترط عند الإرسال والرمي ، وهي على الآلة لأن المقدور له في الأول : الذبح وفي الثاني : الرمي والإرسال دون الإصابة ، فتشترط عند فعل يقدر عليه ، حتى إذا أضجع شاة وسمى ، فذبح غيرها بتلك التسمية لا يجوز ، ولو رمى إلى صيد وسمى وأصاب غيره حل وكذا في الإرسال ، ولو أضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفرة وذبح بالأخرى أكل ولو سمى على سهم ثم رمى بغيره صيدا لا يؤكل .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : وإنما الخلاف في متروك التسمية عامدا ، فمذهب ابن عمر ، أنه يحرم ، [ ص: 36 ] ومذهب ابن عباس ، وعلي أنه يحل ; قلت : ذكر أبو بكر الرازي في " كتاب أحكام القرآن " أن قصابا ذبح شاة ، ونسي أن يذكر اسم الله عليها ، فأمر ابن عمر غلاما له أن يقوم عنده ، فإذا جاء إنسان يشتري ، يقول له : إن ابن عمر يقول لك : إن هذه شاة ، لم تذك ، فلا تشتر منها شيئا ، وذكر عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن المسيب ، والزهري ، وطاوس ، وقالوا : لا بأس بأكل ما نسي أن يسمي عليه عند الذبح ، وقالوا : إنما هي على الملة انتهى .

                                                                                                        وفي " الموطإ " مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن عباس سئل عن الذي ينسى أن يسمي الله تعالى على ذبيحته ، فقال : يسمي الله ويأكل ، ولا بأس انتهى . الحديث الثالث : قال عليه السلام : { المسلم يذبح على اسم الله تعالى ، سمى أو لم يسم }; قلت : غريب بهذا اللفظ ، وفي معناه أحاديث منها ما أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي عن محمد بن يزيد بن سنان عن معقل بن عبيد الله الجزري عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المسلم يكفيه اسمه ، فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليسم ، وليذكر اسم الله ، ثم ليأكل }انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان في " كتابه " : ليس في هذا الإسناد من يتكلم فيه غير محمد بن يزيد بن سنان ، وكان صدوقا صالحا ، لكنه كان شديد الغفلة انتهى .

                                                                                                        وقال غيره : معقل بن عبيد الله وإن كان من رجال [ ص: 37 ] مسلم لكنه أخطأ في رفع هذا الحديث ، وقد رواه سعيد بن منصور . وعبد الله بن الزبير الحميدي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن أبي الشعثاء عن عكرمة عن ابن عباس .

                                                                                                        قوله : ذكره البيهقي ، وغيره ، فزادا في إسناده أبا الشعثاء ، ووقفا ، والله أعلم .

                                                                                                        وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : معقل هذا مجهول ، وتعقبه صاحب " التنقيح " ، فقال : بل هو مشهور ، وهو ابن عبيد الله الجزري ، أخرج له مسلم في " صحيحه " ، واختلف قول ابن معين فيه ، فمرة وثقه ، ومرة ضعفه ، وقد ذكره ابن الجوزي في " الضعفاء " فقال : معقل بن عبيد الله الجزري يروي عن عمرو بن دينار ، قال يحيى : ضعيف ، لم يزد على هذا ، ومحمد بن يزيد بن سنان الجزري هو ابن أبي فروة الرهاوي ، قال أبو داود : ليس بشيء ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : ضعيف ، وذكره ابن حبان في الثقات ، والصحيح أن هذا الحديث موقوف على ابن عباس ، هكذا رواه سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس انتهى كلامه .

                                                                                                        قلت : أخرجه كذلك عبد الرزاق في " مصنفه في الحج " حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء حدثنا عين يعني عكرمة عن ابن عباس ، قال : إن في المسلم اسم الله ، فإن ذبح ونسي أن يذكر اسم الله ، فليأكل ، وإن ذبح المجوسي ، وذكر اسم الله ، فلا تأكل انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن مروان بن سالم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : { سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله ، قال : اسم الله على كل مسلم } ، وفي لفظ : { على فم كل مسلم } ، [ ص: 38 ] انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : ومروان بن سالم ضعيف ، وأعله ابن القطان أيضا به ، وقال : هو مروان بن سالم الغفاري ، وهو ضعيف .

                                                                                                        وليس بمروان بن سالم المكي انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأسند تضعيفه عن أحمد ، والنسائي ، ووافقهما ، وقال : عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : مرسل ، رواه أبو داود في " المراسيل " فقال : حدثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود عن ثور بن يزيد عن الصلت عن النبي صلى الله عليه وسلم ; قال { : ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر }انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان : وفيه مع الإرسال أن الصلت السدوسي لا يعرف له حال ، ولا يعرف بغير هذا ، ولا روى عنه غير ثور بن يزيد انتهى .

                                                                                                        ولم يعله ابن الجوزي في " التحقيق " وتبعه صاحب " التنقيح " إلا بالإرسال ، واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " للحنفية أيضا بحديث أخرجه البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، { أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن قوما يأتوننا باللحم ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ، فقال : سموا أنتم عليه وكلوا } ، قالت : وكانوا حديثي عهد بكفر انتهى . ثم قال : والظاهر أنهم كانوا يسمون انتهى كلامه .

                                                                                                        الحديث الرابع : حديث عدي بن حاتم : { فإنك إنما سميت على كلبك ، ولم تسم على كلب غيرك }; قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " { عن عدي بن حاتم ، قلت : يا رسول الله إني أرسل كلبي ، وأسمي ، فقال : إذا أرسلت كلبك ، وسميت ، فأخذ ، فقتل ، فكل ، فإن أكل منه ، فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه ، قلت : إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ، لا أدري أيهما أخذه ، فقال : لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ، [ ص: 39 ] ولم تسم على كلب آخر }انتهى .

                                                                                                        وسيأتي في " الصيد " .




                                                                                                        الخدمات العلمية