الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                السبب الثالث : في الجواهر : الشك في تحقق التقاء الختانين ، والإنزال ، فإن وجد بللا ، ولا يدري أهو مذي ، أو مني ، وأيقن أنه ليس بعرق قال مالك : لا أدري ما هذا قال ابن نافع : يغتسل ، وقال ابن زياد : لا يلزمه إلا الوضوء مع غسل الذكر ، وقال ابن سابق : هذا ينبني على أصل مالك في تيقن الطهارة ، والشك في الحدث .

                                                                                                                السبب الرابع : تجدد الإسلام ، قال مالك في الكتاب : عليه الغسل . قال صاحب الطراز : وروى ابن وهب يكفيه الوضوء ، وفرق ابن القاسم بين من أجنب فيغتسل ، وبين من لم يجنب : لم يجب عليه إلا الوضوء .

                                                                                                                قال ابن شاس : والمشهور اختصاص الوجوب بالجنابة ، وروي عن مالك أنه مستحب ، فأما الوجوب على من أجنب ، ومن لم يجنب ، فمشكل ، وأما التفرقة ، فقال صاحب الطراز : هو مأمور بالوضوء إجماعا ، وإذا لم يسقط الإسلام الحدث الأصغر ، فأولى ألا يسقط الأكبر ، ولأن الحائض إذا أسلمت بعد طهرها لا تتوضأ حتى تغتسل ، ولأن الصلاة التي هو مستقبلها من شرطها الطهارة من الحدثين فيجب عليه تحصيل الشرط لا أنه مؤاخذ بأمر تقدم الإسلام فيسقط لقوله عليه السلام : ( الإسلام يجب ما قبله ) بل هذا الأمر أوجبه الإسلام ; لأن الصلاة والطهارة من آثار الإسلام ، فلا يسقطهما الإسلام ، وأما الاستحباب على الإطلاق ، فكما قال مالك - رحمه الله - : لم يبلغني أن النبي أمر من أسلم بالغسل ، وأكثر من أسلم محتلم .

                                                                                                                والفرق بين الجنابة والحدث الأصغر أن الجنابة صدرت في وقت لم يخاطب [ ص: 303 ] فيها أحكام الفروع ، وإذا سقط الخطاب بالحكم سقط الخطاب بأسبابه ، وشروطه ، وموانعه ; لأن الخطاب بها لأجله ، وأما الحدث الأصغر الصادر في الكفر فيلزم هذا التقرير سقوطه أيضا لكن يجب الوضوء للصلاة لا للحدث السابق بل لأن الطهارة شرط في الصلاة لقوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ) الآية ، فدلت على إيجاب الوضوء دون الغسل .

                                                                                                                فإن قلت ، فقد قال تعالى : ( حتى تغتسلوا ) ، فهذا يدل على أن الغسل شرط .

                                                                                                                قلت : يحمل ذلك على جنابة الإسلام جمعا بين الآية ، وعدم أمره عليه السلام لمن أسلم بالاغتسال .

                                                                                                                ويستحب له الغسل لأنه مستقبل أعظم القرب فينبغي أن يتطهر لها كما يتطهر للإحرام ، ودخول مكة ، وشهود الجمعة ، وهاهنا أولى .

                                                                                                                وأما ما رواه أبو داود أنه عليه السلام أمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء ، وسدر ، ورواه الترمذي فيمكن أن يحمل على الوجوب لظاهر الأمر ، ويمكن أن يقال : المراد به النظافة لا العبادة بدليل أمره بالسدر ، والسدر إنما يقصد للنظافة ، ولعله رآه مشوها بالدرن .

                                                                                                                فروع ستة : الأول : قال ابن القاسم في الكتاب : إذا اغتسل قبل إسلامه ، وهو عازم عليه أجزأه ؛ لما في مسلم أنه عليه السلام بعث خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، وساق الحديث إلى أن قال عليه السلام : ( أطلقوه إلى تمامه ) فانطلق إلى جبل قريب ، فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فأسلم ، ولأن الكفر يحصل بالاعتقاد إجماعا .

                                                                                                                [ ص: 304 ] واختلفوا هل يحصل الإيمان بمجرد الاعتقاد لأنه ضده ، فإذا ارتفع أحد الضدين تعين الآخر ، ولأنه عليه السلام قبل إسلام الجارية ، ولم يصدر منها إلا إشارتها إلى السماء ، أو لا يحصل الإيمان إلا بالإقرار ، وعليه الأكثرون من الأصوليين بشرط إمكان التلفظ ، وآي القرآن تشهد لهم ، فإن الله تعالى حيث ذكر الإيمان في كتابه ذكره مقرونا بالباء كقوله : ( ومن لم يؤمن بالله ورسوله ) وآمن يتعدى بنفسه قال أرباب علم البيان : إنما دخلت هذه الباء ; لأن الفعل مضمن معنى أقر ، والإقرار يتعدى بالباء فيكون المعنى : ومن لم يصدق بقلبه ، ويقر بلسانه ، وكذلك سائر الآيات كما قال الفرزدق :


                                                                                                                كيف تراني قالبا مجني قد قتل الله زيادا عني

                                                                                                                .

                                                                                                                أي صرفه بالقتل ، فضمن قتل معنى صرف ، فعداه بعن كما يتعدى صرف ، وهو من أسرار كلام العرب ، وجوامع كلمها لتعبيرها عن الجملتين بجملة واحدة ، فإنه أراد أن يقول صرفه ، فقتله ، فقال : قتله عني .

                                                                                                                فعلى القول الأول تظهر صحة الغسل ، وعلى الثاني يشكل ; لأن الإيمان إذا لم يقبل ، فأولى الغسل ، ويمكن أن يقال : إن التلفظ اللاحق لما صحح التصديق السابق صحح الغسل السابق أيضا فيكون الإيمان القلبي ، والغسل موقوفين على التلفظ ، فإذا تلفظ صحا جميعا ، ويصح الغسل بطريق الأولى ; لأن الأدنى يتبع الأعلى .

                                                                                                                الثاني : لو كان الكافر يعتقد دينا يقتضي الغسل من الجنابة ، فاغتسل . قال صاحب الطراز : الظاهر عدم الإجزاء ، وهو مختلف ، وقد خرجه بعض الشافعية [ ص: 305 ] على غسل الذمية قبل الإسلام ، فإنها لا تحتاج إلى إعادته بعده باعتبار إباحة الوطء به .

                                                                                                                الثالث : قال صاحب الطراز : ينوي بغسله الجنابة ، فإن نوى الإسلام أجزأه عند ابن القاسم لأنه نوى بذلك الطهر على وجه اللزوم كما أن الوضوء إذا نوى به الصلاة ارتفع الحدث على وجه اللزوم .

                                                                                                                الرابع : قال ابن القاسم : إذا لم يجد الماء يتيمم ، فإن أدرك الماء اغتسل ، وينوي بتيممه الجنابة عند فعل الصلاة ، وينبغي أن يكون تيممه عند فعل الصلاة ، وأحكامه أحكام المتيمم ، قال أبو الطاهر : ويحتمل أن يقال : إن تعذر الغسل ، فلا يتيمم .

                                                                                                                الخامس : قال ابن شاس : قال الشيخ أبو الحسن : غسل الكافر إذا أسلم تعبد ، وعلى المشهور معلل بالجنابة ، ويتخرج على القولين غسل من لم يجنب .

                                                                                                                السادس : قال صاحب الطراز : يؤمر من أسلم أن يغتسل ، ويحلق رأسه إن كان قزعا ، ونحوه ، واستحب الشافعي حلقه على الإطلاق ؛ لما في أبي داود عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه قال : لما أسلمت قال لي عليه السلام : ( ألق عنك شعر الكفر ) ومعناه الذي هو زي الكفر ، وإلا فقد كان الناس يدخلون في دين الله أفواجا بغير حلق .

                                                                                                                السبب الخامس : إلقاء الولد جافا قال القاضي في التلقين : يوجب الغسل ، ورواه أشهب ، وغيره عن مالك ، وقال اللخمي : لا غسل عليها ، ومعنى الأول أنه يجب الغسل عليها بخروج مائها ، والولد مشتمل على مائها لأنه منه خلق فيجب عليها بخروجه .

                                                                                                                ووجه الثاني : أن ماءها قد استحال عن هيئته التي منها الغسل ، فأشبه حالة السلس بل هذا أشد بعدا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية