الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النوع الثامن عشر : العين والوضوء إليها

                                                                                                                وفي " الموطأ " : اغتسل سهل بن حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه ، وعامر بن عبد الله ينظر ، وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد ، فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء ، فوعك سهل مكانه ، واشتد وعكه ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سهلا وعك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علام يقتل أحدكم أخاه ، ألا [ ص: 312 ] بركت ، إن العين حق ، فتوضأ له عامر فغسل عامر وجهه ويديه ، ومرفقيه ، وركبتيه ، وأطراف رجليه ، وداخلة إزاره في قدح ، ثم صب عليه فبرئ سهل ، قال الباجي : الحرار موضع بالمدينة ، وقيل : ماؤها ، ومعنى العين أن الله تعالى أجرى عادته أنه إذا تعجب إنسان خاص ، ونطق ولم يبرك أن يصاب المتعجب منه ، وذلك معنى في نفس العائن لا يوجد في نفس غيره ، ومتى برك قال : اللهم بارك فيه أو بارك الله فيه لم تضر عينه ، وأجرى الله تعالى أن ذلك الوضوء شفاؤها .

                                                                                                                وقال ابن نافع : بالوضوء كما تقدم ; وقال ابن دينار : يديه ومرفقيه ، ولا يغسل ما بين اليد والمرفق ; وقال الزهري الذي قاله علماؤنا يؤتى العائن بقدح فيه ماء فيمسك مرتفعا من الأرض فيدخل كفه فيمضمض ، ثم يمجه في القدح ، ثم يغسل وجهه في القدح صبة واحدة ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على كفه اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على مرفقه الأيمن ، ثم بيده اليمنى على مرفقه الأيسر ، ثم بيده اليسرى على قدمه اليمنى ، ثم بيده اليمنى على قدمه اليسرى ، ثم بيده اليسرى على ركبته اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ركبته اليسرى ، كل ذلك في قدح ، ثم يدخل داخلة إزاره ، ولا يوضع القدح في الأرض ، ويصب على رأس المعين من خلفه صبة واحدة ، وقيل : يعتقل ويصب عليه ، ثم يكفى القدح على ظهر الأرض وراءه ، وداخلة إزاره هو الطرف المتداني الذي يفضي من مئزره إلى جلده ; لأنه إنما يمر بالطرف الأيمن على الأيسر حتى يشده بذلك الطرف المتداني الذي يكون من داخل ، وعن ابن نافع : لا يغسل موضع الخرزة من داخل الإزار ، وإنما يغسل الطرف المتداني ، قال ابن أبي زيد : الإزار الذي تحت الإزار مما يلي الجسد ، قاله مالك ، وقال ابن نافع : الطرف الداخل المتدلي ، قال ابن حبيب الذي يضعه المؤتزر أولا على حقوه ، وفي " الموطأ " : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرقية للعين ، وقال : " لو سبق شيء القدر لسبقته العين " .

                                                                                                                تنبيه : خلق الله النفوس مختلفة الهيئات ، فنفس مهيبة ، ونفس مهينة ، ونفس تؤثر بالعين ، ونفس تؤثر بالقتل ، ففي الهند من إذا جمع نفسه على إنسان ذهب [ ص: 313 ] قلبه من صدره فمات ، ويجربونهم في الرمانة يحطونها ، ويجمعون همتهم عليها فتفتح فلا يوجد فيها حب ، وكذلك بعض النفوس خلق شفاف النفس إذا ارتاض حصلت له المكاشفة ، وإدراك المغيبات ، كان مؤمنا أو كافرا ، ولذلك لا يستدل بالمكاشفات على الديانات ، ومنهم من خلق بحيث إذا نظر في أحكام النجوم بزعمه ، أو ضرب الرمل ، أو بالسير ، أو بالشعير ، أو غير ذلك مما يتعاطاه الناس أرباب الزجر لا يكاد يخطئ أصلا لخاصية في نفسه ، لا لأن ذلك المعنى حق ، وكذلك الرقى ، والطلسمات ، والسحريات تابع لخواص النفوس ، فرب رقية تؤثر مع شخص دون غيره ، ومن جرب وجد ، ولا عجب في أن تكون النفوس مختلفة الخواص ، بل الحيوان ; لأنه أبدع في المخلوقات من النبات والجماد ، وقد خص الله تعالى العقاقير النباتية ، والجمادية بأنواع السموميات ، والترياقات ، والمنافع الغريبة والخواص العجيبة ، وجميع هذه الآثار في الجميع إنما هي صادرة عن قدرة الله تعالى ، ومشيئته عند هذه الأسباب العادية ، ولو شاء تعالى لم يكن شيء من ذلك ، فسبحان من يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية