الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المقدمة الثانية : في الجواهر : الخطبة مستحبة ، والتصريح بخطبة المعتدة حرام ، والتعريض جائز ، وهو القول المفهم لمقصود الشيء من غير تنصيص ، مأخوذ من عرض الشيء ، وهو ناحيته ; لأنه تحريم على النكاح من غير هجوم عليه لقوله تعالى : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) [ ص: 192 ] ( البقرة : 235 ) فدل على إباحة الإكنان والتعريض وتحريم المواعدة ، وبهذا قال الأئمة . غير أن ( ش ) وابن حنبل منعا من التعريض للرجعية لأنها زوجة ، ولست أنقل فيه عندنا شيئا غير أن الأصحاب أطلقوا الإباحة من غير تخصيص ، وفي الجواهر : قال القاضي أبو بكر : والذي مال إليه مالك في التعريض أن يقول : إني بك لمعجب ، ولك محب ، وفيك راغب قال : وهذا عندي أقوى التعريض وأقرب إلى التصريح . قال : والذي أرى أن يقول : إن الله تعالى سائق إليك خيرا ، فأنت نافعة ، فإن زاد فهو تصريح . فرع

                                                                                                                قال اللخمي : قال مالك : لا بأس بالهدية ; لأنها تعريض .

                                                                                                                قاعدة : الأحكام كلها قسمان : مقاصد ، وهي المتضمنة للحكم في أنفسها ، ووسائل تابعة للمقاصد في أحكامها من الوجوب والتحريم وغيرهما ، وهي المفضية إلى تلك المقاصد خالية عن الحكم في أنفسها من حيث هي وسائل ، وهي أخفض رتبة من المقاصد ، فالجمعة واجبة مقصدا ، والسعي واجب وسيلة ، والزنا محرم مقصدا ، والخلوة محرمة وسيلة ، وكذلك سائر الأحكام .

                                                                                                                والوسائل أقسام : منها ما يبعد جدا ، فلا يعطى حكم المقصد كزراعة [ ص: 193 ] العنب المفضية إلى الخمر ، وما قرب جدا فيعطى حكم المقصد كعصر الخمر ، وما هو متردد بين القريب والبعيد ، فيختلف العلماء فيه كاقتناء الخمر للتخليل ، والمحرم مقصدا هاهنا : اختلاط الأنساب باجتماع المائين في الرحم من الزوج السابق واللاحق ، والعقد حرام تحريم الوسائل لإفضائه إلى الوطء ، والتصريح كذلك لإفضائه للعقد ، فهو وسيلة الوسيلة ، ولما بعد التعريض عن المقصد لم يحرم ، والإكنان أبعد منه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : فإن تزوجها في العدة ، فأربعة أقوال ، قال مالك : تحرم ، دخل في العدة أو بعدها ؛ مناقضة له بنقيض مقصوده كالقاتل عمدا ، ولا تحرم إن فرق بينهما قبل الدخول ; لانتفاء المقصود من العقد ، وقال أيضا : إن دخل بعد العدة فسخ ، وما هو بالحرام البين لحصول براءة الرحم قبل الوطء الثاني ، وقاله ابن حبيب ، وقال أيضا : تحرم بالعقد تنزيلا للوسيلة منزلة المقصد ، وقال ابن نافع : لا تحرم وإن دخل في العدة قياسا على الزنا بها ، وقاله ( ش ) ، و ( ح ) : فإن قبل أو باشر في العدة حرمت عند ابن القاسم كما تحرم أمة الأب بالمباشرة على الابن ، ولمالك قولان .

                                                                                                                قال صاحب البيان : والقبلة والمباشرة بعد العدة لا تحرم اتفاقا ، وفي الجلاب : الفسخ بغير طلاق ; لأنه مجمع على فساده ، ويجب المسمى [ ص: 194 ] بالدخول لقوله - عليه السلام - : ( أيما امرأة نكحت نفسها فنكاحها باطل ، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها ) وهاهنا كذلك ، ولا يتوارثان قبل الفسخ لفساد العقد ، وفي الكتاب : إن دخل بها عوقب الزوج والمرأة والشهود إن علموا . فرع

                                                                                                                قال : فإن تزوجها ثم ولدت من زنا لثلاثة أشهر حرمت أبدا كالنكاح في العدة ، وكرهت عند أصبغ . وفي الجواهر : دخول وطء على وطء على ثمانية أوجه : وطء نكاح في عدة نكاح ، ووطء نكاح في عدة شبهة نكاح ، ووطء نكاح في استبراء غصب ، ووطء نكاح في استبراء زنا ، ووطء نكاح في استبراء ملك ، ووطء نكاح في استبراء ملك بعد العتق ، ووطء ملك في استبراء ملك ، ووطء بغير شبهة في عدة أو استبراء بغصب أو زنا ، فيحرم في الأول والثاني على الواطئ أبدا اتفاقا من أصحاب مالك ، وفي الثالث والرابع عند مالك خلافا لعبد الملك ، وفي الخامس قولان ، نظرا إلى الملك السابق ، فلا يحرم ، أو قصد تعجيل شيء بالنكاح فيحرم ، ولا يحرم في السادس عند ابن القاسم وأشهب ، وهو عندهم أخف من استبراء أم الولد لوقوع الوطء في ملك أم الولد ، ولا يحرم في السابع اتفاقا ; لأن الملك مقصوده الاستخدام دون الوطء ، فضعفت آثار الوطء [ ص: 195 ] فيه ، ولذلك لا يجب القسم للسراري ، ويكون مضيقا على نفسه إذا قال : كل امرأة أتزوجها طالق ، وإن أبقي السراري ، وشبهة الملك كالملك كما أن شبهة النكاح كالنكاح ، ولا يحرم في الثامن لأنه لم يرد تعجيل شيء بل أقدم على الحرام مع قطع النظر على شيء يتعجل أو يتأجل ، والأصل في هذا التحريم قول عمر وعلي رضي الله عنهما من غير مخالف ، فكان إجماعا ، والقياس على قاتل الموروث عمدا ، وعلى الملاعن بجامع إدخال الشبهة في النسب .

                                                                                                                قال اللخمي : إذا تزوجت في استبراء من زنا ودخل بها ، فالذي رجع إليه ابن القاسم أنها إن كانت حاملا حرمت ، وإلا فلا ، وقال أشهب : إذا اغتصبت امرأة حاملا ، له وطؤها ; لأن الحمل لا يطرأ على الحمل إلا في غاية الندرة ، وكرهه أصبغ . فرع

                                                                                                                إن واعد في العدة أو عقد بعدها قال في الكتاب : يفسخ بطلقة أحب إلي دخل أم لا للنهي ، ثم يخطب بعد ذلك ; لانتفاء العقد ومقصوده من العدة ، وقال أشهب : يفسخ وتحرم أبدا ، وطئ أم لا ; لأن ما وقع بعد العدة سببه المواعدة في العدة ، وهي حرام ، والمبني على الحرام حرام .

                                                                                                                [ ص: 196 ] فرع

                                                                                                                قال اللخمي : الرجعية تتزوج في العدة ، فيرتجعها زوجها في العدة وقبل التفريق بينهما . قال مالك : تصح الرجعة ، ولا يطؤها حتى يستبرئها من الماء الفاسد بثلاث حيض إن دخل بها الثاني . وإن أصابها في عدتها من الثاني لم تحرم ; لأنه أصاب امرأته ، وكذلك المنعي لها زوجها ، فيقدم ، فيفرق بينها وبين الثاني فيصيبها الأول قبل انقضاء عدة الثاني . وكذلك التي تزني ، فيصيبها زوجها قبل الاستبراء بخلاف البائن تتزوج في العدة لا يجوز للأول العقد عليها ، وهي في عدة منهما ، فإن فعل فسخ قبل الدخول وبعده ; لأن البائن أجنبية والرجعية زوجة ، وتحرم عليه إن دخل بها في العدة منه ، أو من الثاني .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب المنتقى : إذا طلقها ألبتة ثم تزوجها في عدتها قال ابن نافع : تحرم أبدا قياسا على الأجنبي ، وكذلك قال مالك : إذا خالعها على أنها إن طلبت ما أعطت ، فهي امرأته ، فطلبته فرده وراجعها وأصابها في عدتها حرمت عليه أبدا ، وروي عن ابن القاسم وغيره حلها ; لأن الماءين لواحد ، ومباشرة الأجنبي المتزوج في العدة دون الوطء فيها قولان لابن [ ص: 197 ] القاسم ، ولو تصادقا بعد الخلوة على عدم الوطء حرمت أبدا ، ولا تصدق عند ابن القاسم وأشهب ، ولو صدقت في هذا لأسقطت العدة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب البيان : لو تزوجها في عدتها مجوسيان ، أو نصرانيان ، ثم أسلما بعد انقضائها لا يفرق بينهما ، وطئ فيها أم لا ، وإن أسلما في العدة فسخ إن كان العقد قبل حيضة ، وقيل : قبل ثلاث ، وإن وطئ بعد الإسلام في العدة حرمت أبدا عند مالك ، وجميع أصحابه . فرع

                                                                                                                قال صاحب المنتقى : تستحب الخطبة بالضم عند الخطبة بالكسر ، وصفتها : أن يحمد الله تعالى ويثني عليه ، ويصلي على نبيه - عليه السلام - ثم يقول ما رواه الترمذي : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( آل عمران : 102 ) ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ( النساء : 1 ) ( اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ) ( الأحزاب : 70 ) الآية ، ثم يقول : أما بعد ، فإن فلانا رغب فيكم ، وانضوى إليكم ، وفرض لكم من الصداق كذا ، وكذا ، فأنكحوه . هذه السنة ، وفي الجواهر : تستحب أيضا عند العقد .

                                                                                                                [ ص: 198 ] فرع

                                                                                                                وفي الجواهر : يجوز الغيبة في ذكر مساوئ الخطاب للحذر لقوله - عليه السلام - لزينب بنت قيس : ( أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه ) .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال الأبهري في شرح المختصر : إذا تزوجها في عدتها جاهلا ، ثم علم بذلك ، وأصاب في العدة حرمت عليه أبدا ، فإن لم يصب ، فله تزوجها بعد العدة بعقد جديد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية