الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 140 ] الفصل الثاني : في حكمه :

                                                                                                                ومذهب مالك وجمهور العلماء رضوان الله عليهم وجوبه ، وإبطال التقليد لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) . وقد استثنى مالك - رحمه الله - أربع عشرة صورة لأجل الضرورة .

                                                                                                                الأولى : قال ابن القصار : قال مالك : يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام ، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين كما يجب على المجتهدين الاجتهاد في أعيان الأدلة ، وهو قول جمهور العلماء خلافا لمعتزلة بغداد .

                                                                                                                وقال الجبائي : يجوز في مسائل الاجتهاد فقط .

                                                                                                                فروع ثلاثة :

                                                                                                                الأول : قال ابن القصار : إذا استفتى العامي في نازلة ، ثم عادت له يحتمل أن يعتمد على تلك الفتوى لأنها حق ، ويحتمل أن يعيد الاستفتاء لاحتمال تغير الاجتهاد .

                                                                                                                الثاني : قال الزناتي : يجوز تقليد المذاهب في النوازل ، والانتقال من مذهب إلى مذهب بثلاثة شروط : ألا يجمع بينها على وجه يخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ، ولا ولي ، ولا شهود ، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد .

                                                                                                                وأن يعتقد ، فيمن يقلده الفضل بوصول أخباره إليه ، ولا يقلده رميا في عماية ، وألا يتتبع رخص المذاهب .

                                                                                                                قال : والمذاهب كلها مسالك إلى الجنة ، وطرق إلى السعادة ، فمن سلك منها طريقا وصله .

                                                                                                                تنبيه : قال غيره يجوز تقليد المذاهب ، والانتقال إليها في كل ما لا ينقض فيه حكم الحاكم ، وهو أربعة :

                                                                                                                [ ص: 141 ] ما خالف الإجماع ، أو القواعد ، أو النص ، أو القياس الجلي .

                                                                                                                فإن أراد - رحمه الله - بالرخص هذه الأربعة ، فهو حسن متعين ، فإن ما لا نقره مع تأكده بحكم الحاكم ، فأولى أن لا نقره قبل ذلك .

                                                                                                                وإن أراد بالرخص ما فيه سهولة على المكلف كيف كان ، يلزمه أن يكون من قلد مالكا في المياه والأرواث ، وترك الألفاظ في العقود مخالفا لتقوى الله تعالى ، وليس كذلك .

                                                                                                                قاعدة : انعقد الإجماع على أن من أسلم ، فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر .

                                                                                                                وأجمع الصحابة رضوان الله عليهم : على أن من استفتى أبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما ، أو قلدهما ، فله أن يستفتي أبا هريرة ، ومعاذ بن جبل ، وغيرهما ، ويعمل بقولهما من غير نكير ، فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل .

                                                                                                                الثالث : إذا فعل المكلف فعلا مختلفا في تحريمه غير مقلد لأحد ، فهل نؤثمه بناء على القول بالتحريم ، أو لا نؤثمه بناء على القول بالتحليل مع أنه ليس إضافته إلى أحد المذهبين أولى من الآخر ، ولم يسألنا عن مذهبنا ، فنجيبه ، ولم أر لأصحابنا فيه نصا ، وكان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام من الشافعية قدس الله روحه يقول في هذا الفرع : إنه آثم من جهة أن كل أحد يجب عليه ألا يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله تعالى فيه ، وهذا أقدم غير عالم ، فهو آثم بترك التعلم .

                                                                                                                وأما تأثيمه بالفعل نفسه ، فإن كان مما علم من الشرع قبحه أثمناه ، وإلا فلا .

                                                                                                                الثانية : قال ابن القصار : ويقلد القائف العدل عند مالك رحمه الله ، وروي لا بد من اثنين .

                                                                                                                الثالثة : قال يجوز عنده تقليد التاجر في قيم المتلفات إلا أن تتعلق [ ص: 142 ] القيمة بحد من حدود الله تعالى ، فلا بد من اثنين لدربة التاجر بالقيم ، وروي عنه أنه لا بد من اثنين في كل موضع .

                                                                                                                الرابعة : قال : ويجوز تقليد القاسم بين اثنين عنده . وابن القاسم لا يقبل قول القاسم لأنه شاهد على فعل نفسه .

                                                                                                                الخامسة : قال : يقلد المقوم لأرش الجنايات عنده .

                                                                                                                السادسة : قال : يقلد الخارص الواحد فيما يخرصه عند مالك رحمه الله .

                                                                                                                السابعة : قال : يقلد عنده الراوي فيما يرويه .

                                                                                                                الثامنة : قال : يقلد الطبيب عنده فيما يدعيه .

                                                                                                                التاسعة : قال : يقلد الملاح في القبلة إذا خفيت أدلتها ، وكان عدلا دريا بالسير في البحر . وكذلك كل من كانت صناعته في الصحراء ، وهو عدل .

                                                                                                                العاشرة : قال : ولا يجوز عنده أن يقلد عامي عاميا إلا في رؤية الهلال لضبط التاريخ دون العبادة .

                                                                                                                الحادية عشرة : قال : ويجوز عنده تقليد الصبي ، والأنثى ، والكافر ، والواحد في الهدية والاستئذان .

                                                                                                                الثانية عشرة : قال : يقلد القصاب في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما ، أو كتابيا ، ومن مثله يذبح .

                                                                                                                الثالثة عشرة : قال : يقلد محاريب البلاد العامرة التي تتكرر الصلاة فيها ، ويعلم أن إمام المسلمين بناها ، ونصبها ، أو اجتمع أهل البلدة على بنائها .

                                                                                                                قال : لأنه قد علم أنها لم تنصب إلا بعد اجتهاد العلماء في ذلك ، ويقلدها العالم ، والجاهل ، وأما غير تلك فعلى العالم الاجتهاد ، فإن تعذرت عليه الأدلة صلى إلى المحراب إذا كان البلد عامرا لأنه أقوى من الاجتهاد بغير دليل ، وأما العامي ، فيصلي في سائر المساجد .

                                                                                                                الرابعة عشرة : قال : يقلد العامي في ترجمة الفتوى باللسان العربي أو [ ص: 143 ] العجمي ، وفي قراءاتها أيضا ، ولا يجوز لعالم ، ولا لجاهل التقليد في زوال الشمس لأنه مشاهد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية