الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 34 ] باب التقاط المنبوذ يوجد معه الشيء بما وضع بخطه

                                                                                                                                            لا أعلمه سمع منه ، ومن مسائل شتى سمعتها منه لفظا .

                                                                                                                                            قال الشافعي - رحمه الله تعالى - فيما وضع بخطه : وما وجد تحت المنبوذ من شيء مدفون من ضرب الإسلام أو كان قريبا منه فهو لقطة ، أو كانت دابة فهي ضالة ، فإن وجد على دابته أو على فراشه أو على ثوبه مال فهو له " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، أما المنبوذ فهو الطفل يلقى : لأن النبذ في كلامهم الإلقاء ، وسمي لقيطا لالتقاط واجده له ، وقد تفعل المرأة ذلك بولدها لأمور : منها أن تأتي به من فاحشة فتخاف العار فتلقيه ، أو تأتي به من زوج تضعف عن القيام به فتلقيه رجاء أن يأخذه من يقوم به ، أو تموت الأم فيبقى ضائعا فيصير فرض كفاية ، والقيام بتربيته على كافة من علم بحاله حتى يقوم بكفالته منهم من فيه كفاية كالجماعة إذا رأوا غريقا يهلك أو من ظفر به سبع فعليهم خلاصه واستنقاذه .

                                                                                                                                            لقوله - عز وجل - : ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا [ المائدة 32 ] وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن على جميع الناس شكره حتى كأنه قد أحياهم ، والثاني : أنه قد ناب عن جميع الناس في إحيائه .

                                                                                                                                            ولقوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى [ المائدة : 2 ] ولقوله تعالى : وافعلوا الخير [ الحج : 177 ] فدلت هذه الآية على الندب على أخذه والتوصل إلى حراسة نفسه ، وقد قال تعالى في قصة موسى - صلى الله عليه وسلم - : فالتقطه آل فرعون [ القصص : 8 ] طلبا لحفظ نفسه ورغبة في ثوابه .

                                                                                                                                            وروي أن منبوذا وجد على عهد عمر - رضي الله عنه - فاستأجر له امرأة تكفله ، واستشار الصحابة في النفقة فأشاروا أن ينفق عليه من بيت المال ، وروى الزهري عن أبى جميلة أنه قال : أخذت منبوذا على عهد عمر - رضي الله عنه - فذكره عريفي لعمر فأرسل إلي فدعاني والعريف عنده ، قال عسى الغوير أبؤسا ، فقال عريفي : إنه لا يفهم . فقال عمر : ما حملك على ما صنعت ؟ فقلت : وجدت نفسا مضيعة فأحببت أن يأجرني الله - عز وجل - فيها . قال : هو حر وولاؤه لك ، وعلينا رضاعه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية