الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب التاسع في حساب الفرائض

                                                                                                                                                                        فيه مقصودان . أحدهما : تصحيح المسائل . والثاني : قسمة التركات .

                                                                                                                                                                        [ المقصود ] الأول : التصحيح ، وفيه فصول .

                                                                                                                                                                        [ الفصل ] الأول : في مقدماته ، وهن أربع .

                                                                                                                                                                        إحداها : الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة : النصف ، والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس . وقد سبق بيان مستحقيها .

                                                                                                                                                                        فالنصف فرض خمسة : الزوج ، والبنت ، وبنت الابن ، والأخت للأبوين ، والأخت للأب .

                                                                                                                                                                        [ ص: 60 ] والربع فرض الزوج ، والزوجة أو الزوجات .

                                                                                                                                                                        والثمن فرض الزوجة والزوجات .

                                                                                                                                                                        والثلثان فرض أربعة وهن الإناث التي لواحدتهن النصف .

                                                                                                                                                                        والثلث فرض ثلاثة : الأم وأولادها ، والجد .

                                                                                                                                                                        والسدس فرض سبعة : الأم ، والجدة ، والأب ، والجد ، وبنت الابن ، مع بنت الصلب ، والأخت للأب مع الأخت للأبوين ، وواحد أولاد الأم .

                                                                                                                                                                        [ المقدمة ] الثانية : كل عددين فهما متماثلان ، أو متداخلان ، أو متوافقان ، أو متباينان . فالمتماثلان ، كثلاثة وثلاثة .

                                                                                                                                                                        والمتداخلان ، كثلاثة وستة ، أو تسعة . فالثلاثة داخلة في الستة والتسعة . والمتوافقان ، كأربعة وستة ، لكل واحد منهما نصف صحيح ، وستة وتسعة لهما ثلث صحيح ، وثمانية واثني عشر لهما ربع صحيح ، ولأحد وعشرين وخمسة وثلاثين سبع صحيح ، ولاثنين وعشرين وثلاثة وثلاثين جزء من أحد عشر .

                                                                                                                                                                        والمتباينان ، كثلاثة وأربعة .

                                                                                                                                                                        وطريق معرفة المداخلة أن تسقط الأقل من الأكثر مرتين فصاعدا ، أو زد على الأقل مثله مرة فصاعدا . فإن فني الأكثر بالأقل ، أو تساويا بزيادة الأمثال ، فمتداخلان ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        وطريق الموافقة والمباينة ، أن تسقط الأقل من الأكثر ما أمكن ، فما بقي ، فأسقطه من الأقل ، فإن بقي منه شيء ، فأسقطه مما بقي من الأكثر ، ولا يزال يفعل ذلك حتى يفنى العدد المنقوص منه آخرا ، فإن فني بواحد ، فمتباينان . وإن فني بعدد ، فمتوافقان بالجزء المأخوذ من ذلك العدد . وإن فني باثنين ، فبالنصف ، [ ص: 61 ] أو بثلاثة فبالثلث ، أو بعشرة فبالعشرة ، أو بأحد عشر فبأجزاء أحد عشر . وعلى هذا القياس .

                                                                                                                                                                        مثاله : أحد وعشرون ، وتسعة وأربعون ، تسقط الأقل من الأكثر مرتين يبقى سبعة ، تسقطها من الأقل ثلاث مرات يفنى بها ، فهما متوافقان بالأسباع .

                                                                                                                                                                        [ المقدمة ] الثالثة : في أصول المسائل ، أصلها العدد الذي يخرج منه سهامها . ومسائل الفرائض نوعان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يكون كل الورثة عصبات ، بأن كانوا ذكورا ، أو نسوة أعتقن عبدا بينهن بالسوية ، فالقسمة بينهم بالسوية . وإن كانت العصبة ذكورا وإناثا ، قدرنا كل ذكر اثنين ، وأعطينا كل ذكر سهمين ، وكل أنثى سهما ، فعدد الرءوس في هذا النوع هو أصل المسألة .

                                                                                                                                                                        النوع الثاني : المسائل التي ورثتها أصحاب فروض أو بعضهم ذو فرض . فالأصول في هذا النوع سبعة عند المتقدمين ، ومن المتأخرين من يقول : تسعة . فالسبعة المتفق عليها : اثنان ، وثلاثة ، وأربعة ، وستة ، وثمانية ، واثنا عشر ، وأربعة وعشرون ، فكل مسألة فيها نصف وما بقي . كزوج وأخ ، أو نصفان كزوج وأخت ، فهي من اثنين وما فيها ثلثان وما بقي ، كبنتين وعم ، أو ثلث وما بقي كأم وأخ : أو ثلثان وثلث كأختين لأب وولدي أم ، فمن ثلاثة ، وما فيها ربع وما بقي ، كزوج وابن ، أو ربع ونصف وما بقي كزوج وبنت وأخ ، فمن أربعة . وما فيها سدس وما بقي كأم وابن ، أو سدس ونصف وما بقي كأم وبنت أخ ، أو سدس وثلث وما بقي كأم وولد أو وعم ، أو نصف وثلثان كزوج وأختين ، أو نصف وثلث وما بقي كزوج وأم وأخ فمن ستة . وما فيها ثمن وما بقي كزوجة وابن ، أو ثمن ونصف وما بقي كزوجة وبنت وأخ فمن ثمانية . وما فيها ربع وثلثان [ ص: 62 ] وما بقي كزوج وابنتين وأخ ، أو ربع وثلث وما بقي كزوجة وأم وأخ ، فمن ستة ، أو ربع وسدس وما بقي كزوج وأم وابن ، فمن اثني عشر . وما فيها ثمن وثلثان وما بقي ، كزوجة وبنتين وأخ ، أو ثمن وسدس وما بقي كزوجة وأم وابن ، فمن أربعة وعشرين .

                                                                                                                                                                        قلت : ومن هذا الأخير ثمن وسدسان وما بقي كزوجة وأبوين وابن . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وأما الأصلان المزيدان ، فثمانية عشر ، وستة وثلاثون في مسائل الجد والإخوة حيث يكون الثلث خيرا له .

                                                                                                                                                                        فالأول : في كل مسألة فيها سدس وثلث ما بقي وما يبقى ، كجد وأم وإخوة . والثاني : في كل مسألة فيها ربع وسدس وثلث ما بقي وما يبقى ، كزوجة وأم وجد وإخوة ، ومن لم يقل بالزيادة يصحح المسألتين بالضرب . فالأولى : من ستة ، للأم سهم ، يبقى خمسة ، يضرب مخرج الثلث في الستة تبلغ ثمانية عشر . والثانية : من اثني عشر ، يخرج بالفرضين خمسة ، [ ثم ] يضرب مخرج الثلث في اثني عشر ، تبلغ ستة وثلاثين ، واستصوب الإمام والمتولي صنيع المتأخرين ؛ لأن ثلث ما يبقى والحالة هذه مضموم إلى السدس والربع ، فلتكن الفريضة من مخرجها . واحتج المتولي بأنهم اتفقوا في زوج وأبوين أنها من ستة ، ولولا جعلها من النصف وثلث الباقي ، لكانت من اثنين ، للزوج سهم ، يبقى سهم ، فيضرب مخرج الثلث في اثنين تبلغ ستة . واعلم أنه قد يتفق في صور الجد نصف وثلث ما بقي ، كبنت وجد وإخوة ، فيحتمل أن تكون من ستة قطعا ، كما ذكر في زوج وأبوين ، ويحتمل أن يطرد فيه الخلاف .

                                                                                                                                                                        [ ص: 63 ] قلت : الاحتمال أصح ، والمختار أن الأصح الجاري على القاعدة : طريق المتأخرين ، كما اختاره الإمام لما سبق ، ولكونها أخصر . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        المقدمة الرابعة : في العول .

                                                                                                                                                                        إذا ضاق المال عن الفروض ، فتعال المسألة ، أي : ترفع سهامها ليدخل النقص على كل واحد بقدر فرضه ، كأصحاب الديون والوصايا إذا ضاق المال . والذي يعول من الأصول التسعة ثلاثة ، وهي : ستة ، واثنا عشر ، وأربعة وعشرون ، فتعول الستة أربع مرات إلى سبعة ، كزوج ، وأختين لأب ، وإلى ثمانية كهؤلاء ، وأم وإلى تسعة ، كهؤلاء ، وأخ لأم ، وإلى عشرة كهؤلاء ، وأخ [ آخر ] لأم ، وتسمى هذه الأخيرة : الشريحية ، لأن شريحا القاضي - رحمه الله تعالى - قضى فيها ، وتسمى : أم الفروخ ، لكثرة سهامها . ومتى عالت إلى أكثر من سبعة لا يكون الميت إلا امرأة .

                                                                                                                                                                        وأما اثنا عشر ، فتعول ثلاث مرات إلى ثلاثة عشر ، كزوجة وأم وأختين لأب ، وإلى خمسة عشر ، كهؤلاء وأخ لأم . وإلى سبعة عشر ، كهؤلاء وأخ [ آخر ] لأم . ومن صورها : أم الأرامل ، وهي ثلاث زوجات وجدتان ، وأربع أخوات لأم ، وثمان لأب فهن سبع عشرة أنثى أنصباؤهن سواء . ولا يعول هذا الأصل إلى سبع عشرة إلا والميت رجل .

                                                                                                                                                                        وأما أربعة وعشرون ، فتعول مرة فقط إلى سبعة وعشرين كزوجة وبنتين وأبوين ، وتسمى : المنبرية ؛ لأن عليا - رضي الله عنه - سئل عنها وهو على المنبر ، فقال ارتجالا : صار ثمنها تسعا . ولا يكون هذا العول إلا والميت رجل ، بل لا تكون المسألة [ من ] أربعة وعشرين إلا وهو رجل .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية