الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري:

نفتتح كتابنا هذا بذكر أسمائه الحسنى، وصفاته العلا ; فنخبر بتأويلهما واشتقاقهما; ونتبع ذلك ألفاظا كثر تردادها في الكتاب لم نر بعض السور أولى بها من بعض; ثم نبتدئ في تفسير غريب القرآن، دون تأويل مشكله: إذ كنا قد أفردنا للمشكل كتابا جامعا كافيا، بحمد الله.

* * *

وغرضنا الذي امتثلناه في كتابنا هذا: أن نختصر ونكمل، وأن نوضح ونجمل; وأن لا نستشهد على اللفظ المبتذل، ولا نكثر الدلالة على الحرف المستعمل; وأن لا نحشو كتابنا بالنحو وبالحديث والأسانيد. فإنا لو فعلنا ذلك في نقل الحديث: لاحتجنا إلى أن نأتي بتفسير السلف - رحمة الله عليهم - بعينه; ولو أتينا بتلك الألفاظ كان كتابنا كسائر الكتب التي ألفها نقلة الحديث; ولو تكلفنا بعد اقتصاص اختلافهم، وتبيين معانيهم، وفتق جملهم بألفاظنا، وموضع الاختيار من ذلك الاختلاف، وإقامة الدلائل عليه، والإخبار عن العلة فيه -: لأسهبنا في القول، وأطلنا الكتاب; وقطعنا منه طمع المتحفظ، وباعدناه من بغية المتأدب; وتكلفنا من نقل الحديث، ما قد وقيناه وكفيناه. [ ص: 4 ] وكتابنا هذا مستنبط من كتب المفسرين، وكتب أصحاب اللغة العالمين. لم نخرج فيه عن مذاهبهم، ولا تكلفنا في شيء منه بآرائنا غير معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أولى الأقاويل في اللغة، وأشبهها بقصة الآية.

ونبذنا منكر التأويل، ومنحول التفسير. فقد نحل قوم ابن عباس، أنه قال في قول الله جل وعز: إذا الشمس كورت إنها غورت; من قول الناس بالفارسية: كور بكرد .

وقال آخر في قوله: عينا فيها تسمى سلسبيلا أراد سلني سبيلا إليها يا محمد.

وقال الآخر في قوله: ويل للمطففين إن الويل: واد في جهنم.

وقال الآخر في قوله: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت إن الإبل: السحاب. [ ص: 5 ] وقال الآخر في قوله: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم -: إن النعيم: الماء الحار في الشتاء.

وقال الآخر في قوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد -: إن الزينة: المشط.

وقال آخر في قوله: وأن المساجد لله إنها الآراب التي يسجد عليها المرء; وهي جبهته ويداه، وركبتاه وقدماه.

وقال الآخر في قوله: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى أن تجعل كل واحدة منهما ذكرا; يريد: أنهما يقومان مقام رجل، فإحداهما تذكر الأخرى.

مع أشباه لهذا كثيرة; لا ندري: أمن جهة المفسرين لها وقع الغلط؟ أو من جهة النقلة؟

وبالله نستعين، وإياه نسأل التوفيق للصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية