الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أري ]

                                                          أري : الأصمعي : أرت القدر تأري أريا إذا احترقت ولصق بها الشيء ، وأرت القدر تأري أريا ، وهو ما يلصق بها من الطعام . وقد أرت القدر أريا : لزق بأسفلها شيء من الاحتراق مثل شاطت ; وفي المحكم : لزق بأسفلها شبه الجلبة السوداء ، وذلك إذا لم يسط ما فيها أو لم يصب عليه ماء . والأري : ما لزق بأسفلها وبقي فيه من ذلك ; المصدر والاسم فيه سواء . وأري القدر : ما التزق بجوانبها من الحرق . ابن الأعرابي : قرارة القدر وكدادتها وأريها . والأري : العسل ; قال لبيد :


                                                          بأشهب من أبكار مزن سحابة وأري دبور شاره النحل عاسل

                                                          وعمل النحل أري أيضا ; وأنشد ابن بري لأبي ذؤيب :


                                                          جوارسها تأري الشعوف

                                                          تأري : تعسل ، قال : هكذا رواه علي بن حمزة وروى غيره تأوي . وقد أرت النحل تأري أريا وتأرت وأترت : عملت العسل ; قال الطرماح في صفة دبر العسل :


                                                          إذا ما تأرت بالخلي     بنت به شريجين مما تأتري وتتيع

                                                          شريجين : ضربين يعني : من الشهد والعسل . وتأتري : تعسل ، وتتيع أي : تقيء العسل . والتزاق الأري بالعسالة ائتراؤه ، وقيل : الأري ما تجمعه من العسل في أجوافها ثم تلفظه ، وقيل : الأري عمل النحل ، وهو أيضا ما التزق من العسل في جوانب العسالة ، وقيل : عسلها حين ترمي به من أفواهها ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          إذا الصدور أظهرت أري المئر

                                                          إنما هو مستعار من ذلك ، يعني : ما جمعت في أجوافها من الغيظ كما تفعل النحل إذا جمعت في أفواهها العسل ثم مجته . ويقال للبن إذا لصق وضره بالإناء : قد أري ، وهو الأري مثل الرمي . والتأري : جمع الرجل لبنيه الطعام . وأرت الريح الماء : صبته شيئا بعد شيء . وأري السماء ما أرته الريح تأريه أريا فصبته شيئا بعد شيء ، وقيل : أري الريح عملها وسوقها السحاب ; قال زهير :


                                                          يشمن بروقها ويرش أري ال     جنوب على حواجبها العماء

                                                          قال الليث : أراد ما وقع من الندى والطل على الشجر والعشب فلم يزل يلزق بعضه ببعض ويكثر . قال أبو منصور : وأري الجنوب ما استدرته الجنوب من الغمام إذا مطرت . وأري السحاب : درته ، قال أبو حنيفة : أصل الأري العمل . وأري الندى : ما وقع منه على الشجر والعشب فالتزق وكثر . والأري : لطاخة ما تأكله . وتأرى عنه : تخلف . وتأرى بالمكان وأترى : احتبس . وأرت الدابة مربطها ومعلفها أريا : لزمته . والآري والآري : الأخية . وأريت لها : عملت لها آريا . قال ابن السكيت في قولهم للمعلف : آري قال : هذا مما يضعه الناس في غير موضعه ، وإنما الآري محبس الدابة ، وهي الأواري والأواخي ، واحدتها آخية ، وآري إنما هو من الفعل فاعول . وتأرى بالمكان إذا تحبس ; ومنه قول أعشى باهلة :


                                                          لا يتأرى لما في القدر يرقبه     ولا يعض على شرسوفه الصفر

                                                          وقال آخر :


                                                          لا يتأرون في المضيق وإن     نادى مناد كي ينزلوا نزلوا

                                                          يقول : لا يجمعون الطعام في الضيقة ; وقال العجاج :


                                                          واعتاد أرباضا لها آري     من معدن الصيران عدملي

                                                          [ ص: 95 ] قال : اعتادها أتاها ورجع إليها ، والأرباض : جمع ربض وهو المأوى ، وقوله لها : آري أي : لها آخية من مكانس البقر لا تزول ، ولها أصل ثابت في سكون الوحش بها ، يعني : الكناس . قال : وقد تسمى الآخية أيضا آريا ، وهو حبل تشد به الدابة في محبسها ; وأنشد ابن السكيت للمثقب العبدي يصف فرسا :


                                                          داويته بالمحض حتى شتا     يجتذب الآري بالمرود

                                                          أي : مع المرود ، وأراد بآريه الركاسة المدفونة تحت الأرض المثبتة فيها تشد الدابة من عروتها البارزة فلا تقلعها لثباتها في الأرض ; قال الجوهري : وهو في التقدير فاعول ، والجمع الأواري ، يخفف ويشدد . تقول منه : أريت للدابة تأرية ، والدابة تأري إلى الدابة إذا انضمت إليها وألفت معها معلفا واحدا ، وآريتها أنا ; وقول لبيد يصف ناقته :


                                                          تسلب الكانس لم يوأر بها     شعبة الساق إذا الظل عقل

                                                          قال الليث : لم يوأر بها أي : لم يذعر ، ويروى لم يورأ بها أي : لم يشعر بها ، قال : وهو مقلوب من أريته أي : أعلمته ، قال : ووزنه الآن لم يلفع ، ويروى لم يورا ، على تخفيف الهمزة ، ويروى لم يؤر بها ، بوزن لم يعر ، من الأري أي : لم يلصق بصدره الفزع ، ومنه قيل : إن في صدرك علي لأريا أي : لطخا من حقد ، وقد أرى علي صدره . قال ابن بري : وروى السيرافي لم يؤر من أوار الشمس ، وأصله لم يوأر ، ومعناه : لم يذعر أي : لم يصبه حر الذعر . وقالوا : أري الصدر أريا ، وهو ما يثبت في الصدر من الضغن . وأري صدره ، بالكسر ، أي : وغر . قال ابن سيده : أرى صدره علي أريا وأري اغتاظ ; وقول الراعي :


                                                          لها بدن عاس ونار كريمة     بمعتلج الآري بين الصرائم

                                                          قيل في تفسيره : الآري ما كان بين السهل والحزن ، وقيل : معتلج الآري اسم أرض . وتأرى : تحزن وأرى الشيء : أثبته ومكنه . وفي الحديث : اللهم أر ما بينهم . أي : ثبت الود ومكنه ، يدعو للرجل وامرأته . وروى أبو عبيدة : أن رجلا شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأته فقال : اللهم أر بينهما ; قال أبو عبيد : يعني : أثبت بينهما ; وأنشد لأعشى باهلة :


                                                          لا يتأرى لما في القدر يرقبه

                                                          البيت . يقول : لا يتلبث ولا يتحبس . وروى بعضهم هذا الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بهذا الدعاء لعلي وفاطمة - عليهما السلام - ، وروى ابن الأثير أنه دعا لامرأة كانت تفرك زوجها فقال : اللهم أر بينهما ، أي : ألف وأثبت الود بينهما ، من قولهم : الدابة تأري للدابة إذا انضمت إليها وألفت معها معلفا واحدا ، وآريتها أنا ، ورواه ابن الأنباري : اللهم أر كل واحد منهما صاحبه ، أي : احبس كل واحد منهما على صاحبه حتى لا ينصرف قلبه إلى غيره ، من قولهم : تأريت بالمكان إذا احتبست فيه ، وبه سميت الآخية آريا لأنها تمنع الدواب عن الانفلات ، وسمي المعلف آريا مجازا ، قال : والصواب في هذه الرواية أن يقال : اللهم أر كل واحد منهما على صاحبه ، فإن صحت الرواية بحذف على فيكون كقولهم : تعلقت بفلان وتعلقت فلانا . ومنه حديث أبي بكر : أنه دفع إليه سيفا ليقتل به رجلا فاستثبته فقال : أر . أي : مكن وثبت يدي من السيف ، وروي : أر مخففة ، من الرؤية كأنه يقول : أرني بمعنى : أعطني . الجوهري : تأريت بالمكان أقمت به ; وأنشد بيت أعشى باهلة أيضا :


                                                          لا يتأرى لما في القدر يرقبه

                                                          وقال في تفسيره : أي : لا يتحبس على إدراك القدر ليأكل . قال أبو زيد : يتأرى يتحرى ; وأنشد ابن بري للحطيئة :


                                                          ولا تأرى لما في القدر يرقبه     ولا يقوم بأعلى الفجر ينتطق

                                                          قال : وأريت أيضا وإلى متى أنت مؤر به . وأريته : استرشدني فغششته . وأرى النار : عظمها ورفعها . وقال أبو حنيفة : أراها جعل لها إرة ، قال : وهذا لا يصح إلا أن يكون مقلوبا من وأرت ، إما مستعملة ، وإما متوهمة . أبو زيد : أريت النار تأرية ونميتها تنمية وذكيتها تذكية إذا رفعتها . يقال : أر نارك . والإرة : موضع النار ، وأصله إري ، والهاء عوض من الياء ، والجمع إرون مثل عزون ; قال ابن بري : شاهده لكعب أو لزهير :


                                                          يثرن التراب على وجهه     كلون الدواجن فوق الإرينا

                                                          قال : وقد تجمع الإرة إرات ، قال : والإرة عند الجوهري محذوفة اللام بدليل جمعها على إرين وكون الفعل محذوف اللام . يقال : أر لنارك أي : اجعل لها إرة ، قال : وقد تأتي الإرة مثل عدة محذوفة الواو ، تقول : وأرت إرة . وآذاني أري القدر والنار أي : حرهما ; وأنشد ثعلب :


                                                          إذا الصدور أظهرت أري المئر

                                                          أي : حر العداوة . والإرة أيضا : شحم السنام ; قال الراجز :


                                                          وعد كشحم الإرة المسرهد

                                                          الجوهري : أريت النار تأرية أي : ذكيتها ; قال ابن بري : هو تصحيف وإنما هو أرثتها ، واسم ما تلقيه عليها الأرثة . وأر نارك وأر لنارك أي : اجعل لها إرة ، وهي حفرة تكون في وسط النار يكون فيها معظم الجمر . وحكي عن بعضهم أنه قال : أر نارك افتح وسطها ليتسع الموضع للجمر ، واسم الشيء الذي تلقيه عليها من بعر أو حطب الذكية . قال أبو منصور : أحسب أبا زيد جعل أريت النار من وريتها ، فقلب الواو همزة ، كما قالوا : أكدت اليمين ووكدتها وأرثت النار وورثتها . وقالوا من الإرة وهي الحفرة التي توقد فيها النار : إرة بينة الإروة ، وقد أروتها آروها ، ومن آري الدابة أريت تأرية . قال : والآري ما حفر له وأدخل في الأرض ، وهي الآرية والركاسة . وفي حديث بلال : قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمعكم شيء من الإرة أي : القديد ; وقيل : هو أن يغلى اللحم بالخل ويحمل في الأسفار . وفي حديث [ ص: 96 ] بريدة : أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إرة . أي : لحما مطبوخا في كرش . وفي الحديث : ذبحت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة ثم صنعت في الإرة . الإرة : حفرة توقد فيها النار ، وقيل : هي الحفرة التي حولها الأثافي . يقال : وأرت إرة ، وقيل : الإرة النار نفسها ، وأصل الإرة إري ، بوزن علم ، والهاء عوض من الياء . وفي حديث زيد بن حارثة : ذبحنا شاة وصنعناها في الإرة حتى إذا نضجت جعلناها في سفرتنا . وأريت عن الشيء : مثل وريت عنه . وبئر ذي أروان : اسم بئر ، بفتح الهمزة . وفي حديث عبد الرحمن النخعي : لو كان رأي الناس مثل رأيك ما أدي الأريان . قال ابن الأثير : هو الخراج والإتاوة ، وهو اسم واحد كالشيطان . قال الخطابي : الأشبه بكلام العرب أن يكون بضم الهمزة والباء المعجمة بواحدة ، وهو الزيادة عن الحق ، يقال فيه : أربان وعربان ، قال : فإن كانت الياء معجمة باثنتين فهو من التأرية لأنه شيء قرر على الناس وألزموه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية