الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خروج البضع من الزوج هل هو متقوم أم لا ؟ بمعنى أنه هل يلزمه المخرج له قهرا ضمانة للزوج بالمهر ؟ وفيه قولان في المذهب ويذكر أن روايتين عن أحمد ، وأكثر الأصحاب كالقاضي ومن بعده يقولون : ليس بمتقوم ، وخصوا هذا الخلاف بمن عدا الزوجة فقالوا لا يضمن الزوج شيئا بغير خلاف ، واختار الشيخ تقي الدين أنه متقوم على الزوجة وغيرها ، وحكاه قولا في المذهب ، ويتخرج على ذلك مسائل : منها لو أفسد مفسد نكاح امرأة قبل الدخول بها برضاع أو غيره فإنه يجب عليه نصف المهر حيث يلزم الزوج نصف المهر كما إذا كانت الفرقة من الأجنبي وحده وله مأخذان :

أحدهما : أن خروج البضع من الزوج متقوم فيتقوم قبل الدخول بنصف المهر المسمى وفيه وجه بنصف مهر المثل .

والثاني : أنه ليس بمتقوم لكن المفسد قرر هذا النصف على الزوج إذا كان بصدد أن يسقط عنه بانفساخ النكاح بسبب من جهتها .

والثالث : أن المهر كله يسقط بالفرقة لكن يجب لها نصف المهر وجوبا مبتدئا بالفرقة التي استقل بها الأجنبي فلذلك لزمه ضمانه ذكره القاضي في خلافه وفيه بعد .

وأما حيث لا يلزم الزوج شيء كما إذا وطئ الأب أو الابن زوجته قبل الدخول بتمكينها فهل يلزمه له نصف المهر أم لا ؟ على وجهين مذكورين في المغني وغيره وهما متنزلان على أن البضع هو متقوم أم لا ؟ إذ لا غرم هنا على الزوج .

ونقل مهنا عن أحمد في رجل تزوج امرأة فبعثوا إليه ابنتها فدخل بها وهو لا يعلم قال حرمتا عليه جميعا قال فقلت له : ما عليه فقال عليه لهذه المهر بما استحل من فرجها . قلت وللأخرى ما عليه قال لها نصف الصداق .

قلت يرجع بالنصف الذي غرم لابنتها قال لا ، وإنما لم يرجع هنا عنده ; لأن فساد نكاحه منسوب إليه مباشرة فلذلك استقر الضمان عليه ، ويخرج فيه وجه آخر أنه لا يرجع بما غرمه على من غره وأما إن كان الإفساد بعد الدخول بإرضاع أو غيره ففيه وجهان :

أحدهما : أن على المفسد ضمان المهر المستقر على الزوج وهو منصوص أحمد في رواية ابن القاسم بناء على أن خروج البضع متقوم ، وكما يضمن الغار المهر لمن غره وإن استقر بالدخول بل هنا أولى ; لأن المغرور قد يكون فسخ النكاح باختياره كما إذا دلس عليه عيب أو نحوه حيث لم يرض بالمهر إلا مع السلامة من العيوب وهنا [ ص: 328 ] الفسخ بسبب الأجنبي فإنه هو المانع للزوج من الاستمتاع فكان الرجوع عليه بالمهر أولى ، إذ الزوج يجب تمكينه من جنس الاستمتاع ويعود إليه المهر بمنعه من جنسه إذا لم يكن يستحقه مقدرا بخلاف منفعة الإجارة فإنها تتقسط على المدة ، مع أن الإجارة تسقطها الأجرة عندنا بمنع المؤجر من التسليم المستحق بالعقد كله .

والوجه الثاني : أنه لا ضمان على المفسد بحال لاستقرار المهر على الزوج بالوطء بناء على أن خروجه غير متقوم وإليه ميل ابن أبي موسى واختاره طائفة من المتأخرين .

وأما إن كان المفسد للنكاح هو الزوجة وحدها بالرضاع أو غيره فقال الأصحاب .

لا ضمان عليها بغير خلاف ، لئلا يلزم استباحة بضعها بغير عوض ، واختار الشيخ تقي الدين أن عليها الضمان وأخذه من مسألة المهاجرة وامرأة المفقود كما سيأتي وكما قال الأصحاب في الغارة أنه لا مهر لها بل عندنا في الإجارة أن غصب المؤجر يسقط الأجرة كلها بخلاف غصب غيره لاستحقاق التسليم عليه ، وأجاب عما قيل من استباحة البضع بدون عوض بأن العوض وجب لها بالعقد ثم وجب عليها ضمانه بسبب آخر فلم يخل العقد من عوض ، كما يجب لها بالعقد على البائع ضمان ما تعلق به حق توفية بإتلافه قبل القبض ولم يخل البيع من ثمن والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية