الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 151 ] كتاب الصيد 1068 - مسألة : ما شرد فلم يقدر عليه من حيوان البر كله - وحشيه وأنيسه - لا تحاش شيئا ، لا طائرا ولا ذا أربع مما يحل أكله فإن ذكاته أن يرمى بما يعمل عمل الرمح ، أو عمل السهم ، أو عمل السيف ، أو عمل السكين حاشا ما ذكرنا أنه لا تحل التذكية به ، فإن أصيب بذلك ، فمات قبل أن تدرك ذكاته فأكله حلال ، فإن أدرك حيا إلا أنه في سبيل الموت السريع فإن ذبح ، أو نحر فحسن ، وإلا فلا بأس بأكله ، وإن كان لا يموت سريعا لم يحل أكله إلا بذبح أو نحر ، أو بأن يرسل عليه سبع من سباع الطير ، أو ذوات الأربع ، لا ذكاة له إلا بأحد هذين الوجهين - : لما روينا من طريق شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض ؟ فقال : إذا أصاب بحده فكل وإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل } . ومن طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - أنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : { إذا رميت بالمعراض فخرق فكله ، وإن أصاب بعرضه فلا تأكله } . وقد اختلف الناس في هذا - : كما روينا عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب عن عمار بن ياسر قال : إذا رميت بالحجر أو البندقة ثم ذكرت اسم الله فكل . [ ص: 152 ] ورويناه أيضا عن سلمان الفارسي - وهو قول أبي الدرداء ، وفضالة بن عبيد ، وابن عمر . ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال : كل وحشية قتلتها بحجر ، أو بخشبة ، أو ببندقة فكلها وإذا رميت فنسيت أن تسمي فكل . ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة سمعت سعيد بن المسيب يقول : كل وحشية قتلتها بحجر ، أو ببندقة ، أو بمعراض فكل ، وإن أبيت أن تأكل فأتني به - وهو قول مكحول ، والأوزاعي . وروينا خلاف هذا عن عمر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لا يحذفن أحدكم الأرنب بعصاه أو بحجر ، ثم يأكلها وليذك لكم الأسل : النبل ، والرماح . وبه يقول أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو سليمان . واحتج من ذهب إلى قول عمار ، وسلمان ، وسعيد بقول الله تعالى { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم } . وبحديث رويناه من طريق مسلم عن هناد بن السري نا عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح قال : سمعت ربيعة بن يزيد الدمشقي يقول : أنا أبو إدريس عائذ الله الخولاني قال سمعت { أبا ثعلبة الخشني يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأما ما ذكرت من أنك بأرض صيد فما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله عليه وكل } . قال أبو محمد : ولا حجة لهم في هذين النصين ، لأن حديث عدي بن حاتم الذي ذكرنا فرض أن يضاف إليهما فيستثنى منهما ما استثنى فيه ، فإنه لا يحل ترك نص لنص . ولا خلاف في أن هذين من الصيد ليسا على عمومهما ، لأنه قد تنال فيه اليد الميتة ، وقد تصاب بالقوس المقدور عليه فلا يكون ذكاة بلا خلاف . وهذا مما تناقض فيه الحنفيون لأنهم أخذوا بخبر عدي بن حاتم ، وهو زائد على [ ص: 153 ] ما في القرآن ، وقد امتنعوا من مثل هذا في إسقاط الزكاة فيما دون خمسة أوسق ، وغير ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأما قولنا : إن أدرك حيا إلا أنه في سبيل الموت السريع فلا بأس بنحره وذبحه ولا بأس بتركه ، فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأكل ما خزق ، ولم ينه عن ذبحه ، أو نحره ولا أمر به فهو حلال مذكى على كل حال ، وأما إذا كان لا يموت من ذلك موت المذكى فلا يحل أكله إلا بذكاة ، لأن حكم الذكاة إراحة المذكى ، وتعجيل الموت كما ذكرنا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وسنذكر إن شاء الله تعالى حكم إرسال الجارح .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية