الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                          صفحة جزء
                                          [ ص: 1649 ] سورة الأنفال.

                                          تفسير السورة التي يذكر فيها الأنفال.

                                          بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت

                                          قوله عز وجل يسألونك آية 1

                                          [9486] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا أبو بكر النخعي، عن جويبر ، عن الضحاك ، يسألونك عن الأنفال، قال: يقولون: أعطنا

                                          [8753] حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح، كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله: يسألونك يعني: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم

                                          قوله تعالى: الأنفال

                                          [8754] وبه عن ابن عباس ، قوله: يسألونك عن الأنفال قال: الأنفال: المغانم، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء وروي عن مجاهد، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حيان ، أنهم قالوا: المغانم

                                          قوله تعالى: قل الأنفال لله والرسول

                                          [8755] حدثنا يونس بن حبيب الأصبهاني، ثنا أبو داود ، أخبرنا شعبة ، أخبرني سماك بن حرب ، قال: سمعت مصعب بن سعد، يحدث، عن سعد، قال: نزلت في أربع آيات: أصبت سيفا يوم بدر، وربما قال: أصاب ابني سيفا يوم بدر، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: نفلنيه، فقال: ضعه من حيث أخذته مرتين، ثم عاودته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعه من حيث أخذته، فنزلت هذه الآية يسألونك عن الأنفال

                                          [ ص: 1650 ] [8756] حدثنا أبي ، ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني، أنبأ أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن سعد، قال جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيف فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفى نفسي اليوم من المشركين فهب لي هذا السيف، فقال: إن هذا السيف ليس لي ولا لك فاطرحه. ، فطرحته، فقلت: لعله يعطاه رجل لم يبل مثل بلائي، قال: فبينا أنا إذ جاءني الرسول، فقال: أجب، فظننت أنه نزل في شيء لكلامي فجئت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك سألتني هذا السيف، وليس هو لي ولا لك، فإن الله قد جعله لي فهو لك.

                                          [8757] أخبرني علي بن عبد العزيز ، فيما كتب إلي قال: قال أبو عبيد في الأنفال إنها المغانم وفي كل نيل ناله المسلمون لقول الله عز وجل يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فقسمها يوم بدر على ما أراه الله من غير أن يخمسها على ما ذكرناه في حديث سعد، ثم نزلت بعد ذاك آية الخمس فنسخت الأولى، وفي ذلك آثار والأنفال: أصلها جماع الغنائم، إلا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السنة ومعنى الأنفال في كلام العرب: كل إحسان فعله فاعل تفضلا من غير أن يجب ذلك عليه، فكذلك النفل الذي أحله الله للمؤمنين من أموال عدوهم، إنما هو شيء خصهم الله به تطولا منه عليهم، بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم فنفلها الله هذه الأمة، فهذا أصل النفل، وبه سمي ما جعل الإمام للمقاتلة نفلا وهو تفضيله بعض الجيش على بعض بشيء سوى سهامهم، يفعل ذلك على قدر الغنى عن الإسلام، والنكي في العدو، وفي النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع كل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى فإحداهن: في النفل لا خمس فيه وذلك السلب والثانية: النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس، وهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب فتأتي بالغنائم فيكون للسرية مما جاءت به الربع والثلث بعد الخمس، والثالثة، في النفل من الخمس نفسه وهو أن تحاز الغنيمة كلها ثم تخمس فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى، والرابعة: في النفل في

                                          [ ص: 1651 ] جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء، وهو أن تعطي الإدلاء ورعاء الماشية والسواق لها وفي كل ذلك اختلاف.

                                          قال الربيع بن سليمان ، قال الشافعي : الأنفال: أن لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيء غير السلب

                                          والوجه الثاني من النفل:

                                          من النفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم، وذلك من خمس النبي صلى الله عليه وسلم، فإن له خمس الخمس من كل غنيمة فينبغي للإمام أن يجتهد، فإذا كثر العدو واشتدت شوكتهم وقل من بإزائه من المسلمين نفل منه اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن ذلك لم ينفل

                                          والوجه الثالث: من النفل:

                                          إذا بعث الإمام سرية أو جيشا، فقال لهم قبل اللقاء: من غنم شيئا فهو له بعد الخمس، فذلك لهم على ما شرط الإمام، لأنهم على ذلك غزوا، وبه رضوا من فسر الآية بأن السلب الذي يتقرب الرجل بقتل المشرك له من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد

                                          [8758] أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، قراءة، أنبأ ابن وهب ، أن مالكا، حدثه، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد، مولى ابن قتادة، عن ابن قتادة، أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه. ، فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا قتادة؟. ، فقصصت عليه القصة، أني ضربت رجلا من المشركين بالسيف على حبل عاتقه ثم أدركه الموت، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطه إياه.

                                          [8759] حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا معن، عن مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن القاسم بن محمد ، قال: سأل رجل ابن عباس ، عن الأنفال، فقال: الفرس من النفل والسلب من النفل.

                                          [ ص: 1652 ] من فسر الآية بأن النفل يكون ما يخرج الخمس منه

                                          [8760] حدثنا أبي ، ثنا عون بن الحكم بن سنان الباهلي، ومحمد بن أبي نعيم الواسطي، وعبيد بن محمد بن بحر العبدي، قالوا: حدثنا أبو عوانة ، عن عاصم بن كليب، حدثني أبو الجويرية، عن رجل، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني سليم يقال له: معن بن يزيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نفل إلا بعد الخمس.

                                          من فسر الآية على أن النفل يكون من الخمس:

                                          [8761] أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، قراءة، أنبأ ابن وهب ، أن مالكا، حدثه، عن أبي الزناد، عن ابن المسيب ، أنه قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس.

                                          [8762] حدثنا أبي ، ثنا الحسن بن الربيع ، ثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن أيوب، عن ابن سيرين ، أن أنس بن مالك ، كان مع عبيد الله بن أبي بكرة في غزاة غزاها فأصابوا سبيا، وأراد عبيد الله بن أبي بكرة أن يعطي أنسا من السبي قبل أن يقسم، قال أنس: لا ولكن اقسم ثم أعطني من الخمس.

                                          من فسر الآية على أن النفل من جميع الغنيمة قبل أن تخمس

                                          [8763] حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: غزونا مع أبي بكر هوزان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفلني جارية من بني فزارة أجمل العرب، عليها قشع لها، فما كشفت لها عن ثوب حتى أتيت المدينة، فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم في السوق فقال: لله أبوك هبها لي. ، فوهبتها له فبعث بها ففادى بها أسارى من المسلمين كانوا بمكة

                                          من فسر الآية على أن النفل قبل التقاء الزحفان

                                          [8764] حدثنا أبي ، حدثني الفضل بن دكين، ثنا شريك ، عن جابر، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه، عن عبد الله ، قال: النفل ما لم يلتق [ ص: 1653 ] الزحفان، أو قال: صفان، فإذا التقى الصفان، أو قال: الزحفان، فالمغنم وروي، عن مسروق أنه قال: لا نفل يوم الزحف

                                          من فسر الآية على أن النفل مما تصيبه السرايا:

                                          [8765] حدثنا أبي ، ثنا أبو نعيم ، حدثنا الحسن بن صالح، عن أبيه، عن الشعبي ، يسألونك عن الأنفال قال: ما أصابت السرايا

                                          من فسر الآية أنها منسوخة، نسختها واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية

                                          [8766] حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح، كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله: يسألونك عن الأنفال، قل الأنفال لله والرسول قال: الأنفال: المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها، قال الله تعالى: يسألونك عن الأنفال يعني: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، قل الأنفال جعلتها لرسولي، ليس لكم منه شيء فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ثم أنزل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى الآية.

                                          قوله تعالى: فاتقوا الله وأصلحوا

                                          [8767] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعمر بن صالح الواسطي، قالا: حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس ، في قوله: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم قال: هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله، وأن يصلحوا ذات بينهم.

                                          قوله تعالى: وأصلحوا ذات بينكم

                                          [8768] حدثنا أبي ، حدثنا المسيب بن واضح ، ثنا أبو إسحاق، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه بدرا. فلقينا المشركين فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبت طائفة في العسكر يحوزونه

                                          [ ص: 1654 ] ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة. قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناهم وجمعناهم فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق بها منا، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم لستم بأحق بها منا، أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين، وكان يقول: ليرد قوي المسلمين على ضعيفهم


                                          [8769] أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، فيما كتب إلي، حدثنا أحمد بن مفضل ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، وأصلحوا ذات بينكم، قال: لا تستبوا

                                          [8770] حدثنا أبي ، ثنا هشام بن عمار ، ثنا الوليد ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، أنه سمع مكحولا، يحدث: أن صلاح ذات بينهم كان أن ردت الغنائم، فقسمت بين من ثبت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبين من قاتل وغنم. وروي عن قتادة، ومطر أنهما قالا: أمرهم أن يرد بعضهم على بعض.

                                          قوله تعالى: وأطيعوا الله ورسوله

                                          [8771] حدثنا المنذر بن شاذان ، ثنا يعلى بن عبيد ، ثنا عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله: أطيعوا الله ورسوله قال: طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة

                                          الوجه الثاني

                                          [8772] حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو الطاهر ، أنبأ ابن وهب ، حدثني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال: وأخبرنا أبو معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير ، وأطيعوا الله ورسوله أسلموا السيف إليه ثم نسخت واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه

                                          [ ص: 1655 ] الوجه الثالث

                                          [8773] أخبرنا أبو يزيد القراطيسي ، فيما كتب إلي، ثنا أصبغ بن الفرج ، قال: سمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في قول الله وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين سلموا لله ورسوله، يحكمان فيها بما شاء ويضعانه حيث أرادا

                                          قوله تعالى: إن كنتم مؤمنين

                                          [8774] حدثنا أبو زرعة ، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قوله: مؤمنين قال: مصدقين.

                                          التالي السابق


                                          الخدمات العلمية