الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 371 ] الباب الثالث في مسقطات الشفعة وفي الجواهر : لسقوطها ثلاثة أسباب : الأول : الترك بصريح القول ، الثاني : ما يدل عليه كالمقاسمة والسكوت مع رؤية المشتري يهدم ويبني ويغرس ، وقيل : لا يسقطها ذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا تسقط السنة الشفعة وإن كان عالما بالشراء وشهد فيه ، بل يحلف : ما تأخر تركا ; فإن جاوز السنة بما يعد به تاركا فلا شفعة ، وقال ( ش ) : غير العالم بالبيع حقه أبدا كالرد بالعيب إذا لم يعلم به ، والعالم على الفور ، وأخره ( ح ) : إلى انقضاء المجلس فقط . لنا : قوله - عليه السلام - : ( الشفعة فيما لم يقسم ) ولم يعين وقتا ، ولأنه حق له فلا يتعين معجلا كسائر الحقوق من الديون وغيرها ، ولأن المشتري إن تضرر رفع للحاكم ، ولأن في حصرها في الفور ضررا على الشفيع بأن يكون معسرا ، ولأنه قد لا يعلم إلا بعدها المشتري فلا يجد قيمة بنائه فينتظر حتى يتيسر له ذلك . احتجوا بقوله - عليه السلام - : ( الشفعة كنشطة عقال ) ; فإن [ ص: 372 ] أخذها مكانها وإلا بطلت . ولأن عدم الفورية يضر بالمشتري فلا يعمر ملكه ولا يتصرف فيه ، ولا سكوته مع اطلاعه رضا فيبطل حقه .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أنه مطلق في الأحوال فيحمل على ما إذا وقفه الحاكم ، وإذا عمل بالمطلق في صورة سقط الاستدلال به فيما عداها .

                                                                                                                والجواب عن الثاني : أن الضرر مدفوع بالرفع للحاكم .

                                                                                                                والجواب عن الثالث : يتروى في الأخذ أو يحصل الثمن فلا يسقط حقه بغير سبب ظاهر .

                                                                                                                نظائر : قال أبو عمران : مسائل السنة أربعة عشر ( كذا ) مسألة : الشفعة على رأي أشهب وابن القاسم يزيد الشهر والشهرين ، واللقطة ، والعبد الآبق يحبس سنة ثم يباع ، والمجنون تستم له سنة ، والعنين لتمضي عليه الفصول الأربعة ، والعهدة للجراح والجنون والبرص ، وعدة المستحاضة والمرتابة والمريضة ، واليتيمة تمكث سنة في بيتها قبل اختبارها لزوال الحجر ، والجرح لا يحكم فيه إلا بعد سنة من يوم البرء ولتمضي عليه الفصول ويأمن الانتقاض والسراية للنفس ، وشاهد الطلاق إذا أبى أن يحلف يحبس سنة ، والهبة تصح بحيازة السنة . ولا تبطل إذا عادت ليد الواهب بخلاف الرهن ، والموصى بعتقه امتنع أهله من بيعه ، ينتظر سنة فإن باعوه عتق بالوصية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا كانت الدار بغير البلد فهو كالحاضر مع الدار فيما تنقطع به الشفعة ، ولا حجة له إلا بنقد حتى يقبضها لجواز النقد في الربع في الغائب ، والغائب على شفعته وإن طالت غيبته وهو عالم بالشراء ، وإن لم يعلم فأولى ، ولو كان حاضرا وسافر بحدثان الشراء سنين كثيرة سفرا يعلم منه عدم الأوبة إلا بعد مدة الشفعة للحاضر . فلا شفعة له بعدها والآن ; فإن عاقه عذر حلف ما تركها [ ص: 373 ] وأخذها ، لأن الأصل : بقاء حقه واكتراؤك الشقص ، ومساومتك إياه للشراء ومساقيك للنخل تقطع شفعتك ، لأنه ظاهر حالك ، قال صاحب التنبيهات : روى ابن القاسم : السنة تقطعها ، فيحتمل مخالفته لروايته في المدونة ، وموافقته لرواية أشهب ، لأن السنة حد في الأحكام كما قال ، أو موافقته للمدونة ، أي السنة وما قاربها كما قال في الرضاع والزكاة ونحوهما ، قال في الوثائق : نحو الشهرين بعد السنة ، وقال الصدفي : ثلاثة أشهر ، وقال أصبغ : ثلاث سنين ، وعن مالك في أكثر من خمس سنين لأراه طولا ، وعن عبد الملك : عشر سنين ، وعنه أيضا : أربعين سنة كأنها من باب الحيازة التي حدها عشر وأربعون سنة بين الأشراك ، وعن مالك : لا تنقطع حتى يوقف أو يصرح بالترك ، وقال ابن وهب : متى علم وترك فلا شفعة ، قال ابن يونس : قوله إذا تباعد يحلف عنه في تسعة أشهر أو خمسة ، ولا يحلف في شهرين ، وإن كتب شهادته في الشراء ثم قام بعد عشرة أيام ، فيحلف : ما كان ذلك تركا لها ويأخذ ، وقيل : تبطل بمجاوزة السنة بالقريب إلا أن يقول : أنا على شفعتي ويشهد على البائع بذلك ، فله الشفعة إلا أن يوقفه الإمام فلا يأخذ ، ويشهد عليه فلا ينفعه ، وعن مالك : لا يقطعها عن الحاضر طول إلا أن يوقفه الإمام أو يتركها طوعا ، أو يأتي من طول الزمان ما يدل على الترك ، أو يحدث المبتاع بناء أو غرسا أو هدما وهو حاضر فتسقط إلا أن يقوم بقرب ذلك ، وعن مالك : الخمس سنين ليست طولا ما لم يحدث المشتري تغييرا وهو حاضر ، وعن أشهب : إذا أحدث المبتاع هدما أو مرمة انقطعت قبل السنة ، وإلا فسنة ، قال ابن عبد الحكم : إذا لم يعلم بالبيع وهو بالبلد صدق ولو بعد أربع سنين ، وإن غاب المبتاع بعد الشراء أو اشتراها في غيبته أو اشتراها وكيله لم تبطل وإن طالت غيبته ، لقوله - عليه السلام - : ( ينتظر وإن كان غائبا ) وكذلك إن كان وكيله يهدم ويبني بحضرة الشفيع ما لم يكن موكلا يدفع الشفعة عنه ببينة عادلة حاضرة علم بها الشفيع فينقطع العذر حينئذ ، ولو أراد الأخذ والمبتاع غائب ولا وكيل له ، [ ص: 374 ] فله ( كذا ) ، ويوكل الإمام من يقبض الثمن للغائب ويمكنه من هذا . ولا تبطل شفعته إذا أخر الطلب لصعوبة الرفع للحاكم على كثير من الناس ، قال محمد : فإن أخذها في غيبته فلا تكتب العهدة على وكيله بل على الغائب ، لأنه الأصل ، ويدفع الثمن لوكيل الشراء إن وكله عالما بأن لها شفيعا ، وإلا فلا يدفع له الثمن لعدم توكيله على القبض بل للحاكم ، وإنما لا تكتب على الوكيل إذا ثبت أن الدار للغائب لو يثبت قبل عقد البيع أنه يشتري لفلان ، فأما على إقراره فلا للتهمة في نقل العهدة عنه ، بل تكتب عليه ; فإن قدم الغائب فأقر خير الشفيع في نقلها على الموكل ، ثم لا يرجع على الوكيل في استحقاق ولا غيره لأنه أبرأه ، وبين إبقائها على الوكيل ويتبع في الاستحقاق أيهما شاء مؤاخذة للموكل بالإقرار ; فإن غرم الوكيل رجع على الموكل لإقراره ، وقال أشهب : لا يضر الشفيع كراء الشقص من المبتاع ولا مساومته ولا مساقاته ، لأنه يقول : فعلت ذلك كما يفعله غيري بحضرتي ، وساومته لأعلم الثمن ، وكذلك لو حضر وهو يباع في المزايدة فزايد ثم بيع بحضرته : قال أشهب : ولو قاسم المشتري الشفيع بطلت شفعته .

                                                                                                                قال صاحب الخصال : الغائب على شفعته حتى يقدم ، أو يطلب المشتري أن يكتب له القاضي إلى قاضي موضع الغائب بما يثبت له عنده من ابتياعه فيوقفه عليه القاضي فيوقف القاضي ذلك الغائب : إما يأخذ أو يترك ، وقيل : لا يكتب السلطان في ذلك ، بل إن أحب المشتري أن يشخص فيرفعه فيأخذ أو يترك ، وليس لغيبته القاطعة عند مالك ، بل يجتهد فيها الحاكم ، فقد لا ينهض الضعيف على البريد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : والصغير على شفعته حتى يبلغ ويملك أمره وحتى تنكح البكر ويدخل بها زوجها أو تملك أمر نفسها إلا أن يكون لها وصي .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية