الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 209 ] باب

في معرفة الظاء وتمييزها من الضاد

حسب ما وقع في القرآن الكريم


وهذا الباب يحتاج القارئ إليه، ولا بد من معرفته. وقد عمل المتقدمون فيه كتبا نثرا ونظما، ومن أحسن ما نظم ما أخبرني به الشيخ عبد الكريم التونسي، قراءة مني عليه، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن برال الأنصاري، قال: أخبرنا ابن الغماز، قال: أخبرنا ابن سلمون، قال: [ ص: 210 ] أخبرنا ابن هذيل، قال: أخبرنا أبو داود، قال: أملى علينا الشيخ أبو عمرو الداني من نظمه:


ظفرت شواظ بحظها من ظلمنا فكظمت غيظ عظيم ما ظنت بنا


وظعنت أنظر في الظهيرة ظلة     وظللت أنتظر الظلال لحفظنا


وظمئت في الظلما ففي عظمي لظى     ظهر الظهار لأجل غلظة وعظنا


أنظرت لفظي كي تيقظ فظه     وحظرت ظهر ظهيرها من ظفرنا

ذكر في هذه الأبيات جميع ما وقع في القرآن من لفظ الظاء، وميزه مما ضارعه لفظا، وهي اثنتان وثلاثون كلمة، وقيل: جميع ما في القرآن من ذلك ثمانمائة وأحد عشر موضعا. ولنتكلم الآن على هذه الأبيات كلمة كلمة، ونذكر وقوع كل في القرآن ومعناه بالإيجاز والاختصار، فمن أراد الإحاطة بالظاءات فعليه بـ (رفع الحجاب عن تنبيه الكتاب) الذي ألفه شيخنا الإمام أبو جعفر نزيل حلب.

فأقول مستعينا بالله: أما قوله: (ظفرت) أي فازت، يقال: ظفر الرجل بحاجته يظفر ظفرا إذا فاز بها، والظافر: الغالب. والذي وقع في القرآن من هذا اللفظ موضع واحد في سورة "الفتح" [34]: {من بعد أن أظفركم عليهم} .

[ ص: 211 ] وأما (الشواظ) فهو اللهب الذي لا دخان معه، وقيل الذي معه دخان، وفيه لغتان: ضم الشين وكسرها، وقرئ بهما. ووقع في القرآن في موضع واحد في سورة "الرحمن" [35]: {يرسل عليكما شواظ من نار} .

وأما (الحظ) فهو النصيب، وهو بالظاء، وضارعه في اللفظ (الحض) الذي معناه التحريض، يقال حضضت فلانا على الشيء: أحرضه عليه. قال الخليل : الفرق بين الحث والحض، الحث يكون في السير والسوق وكل شيء، والحض لا يكون في سير ولا في سوق. فأما الأول ففي القرآن منه ستة مواضع، والثاني ثلاثة مواضع: في "الحاقة" [34]، و "الماعون" [3]: {ولا يحض على طعام المسكين} وفي "الفجر" [18] {ولا تحاضون} هذه الثلاثة بالضاد.

[ ص: 212 ] وأما (الظلم) فهو وضع الشيء في غير موضعه، ووقع في القرآن في مائتي موضع واثنين وثمانين موضعا متنوعا.

وأما (الكظم) فهو مخرج النفس، والكظم: مجترع الغيظ، ووقع منه في القرآن ستة ألفاظ.

وأما (الغيظ) فهو الامتلاء والحنق، وهو شدة الغضب، فهو بالظاء، ووقع في القرآن في أحد عشر موضعا. وضارعه في اللفظ (الغيض) الذي معناه التفرقة، ووقع في موضعين: {وغيض الماء} في "هود" [44]، {وما تغيض الأرحام} في "الرعد[8].

وأما (العظيم) فهو الجليل: أي الكبير، وأعظم الأمر: أكبره، ووقع في القرآن في مائة موضع وثلاثة مواضع.

وأما (الظن) فهو تجويز أمرين، أحدهما أقرب من الآخر، يقال: ظن يظن [ ص: 213 ] ظنا، ويكون شكا ويقينا، فالشك نحو: {وظننتم ظن السوء} [الفتح: 12]، و {تظنون بالله الظنونا} [الأحزاب: 10]، واليقين نحو: / {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} [البقرة: 46]، {فظنوا أنهم مواقعوها} [الكهف: 53]، ووقع منه في القرآن سبعة وستون لفظا، وضارعه في اللفظ قوله تعالى: {وما هو على الغيب بضنين} [التكوير: 24]، وفيه خلاف، فقرأه بالظاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، بمعنى "متهم"، والباقون يقرؤونه بالضاد بمعنى: بخيل. والله أعلم.

وأما (الظعن) فهو السفر والشخوص، يقال: ظعن يظعن ظعنا إذا شخص أو سافر، ووقع منه في القرآن لفظ واحد في سورة "النحل" [80] {يوم ظعنكم} .

وأما (النظر) فهو من نظرت الشيء أنظره فأنا ناظره، قال المجنون:


نظرت كأني من وراء زجاجة     إلى الدار من ماء الصبابة أنظر

والنظير: المثيل، وهو الذي إذا نظر إليه وإلى نظيره كانا سواء، ووقع في القرآن منه ستة وثمانون موضعا. وضارعه في اللفظ (النضر) الذي معناه: الحسن، لأنه مشتق من النضارة وهي الحسن، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: [ ص: 214 ] (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها) ، ووقع في القرآن منه ثلاثة مواضع، في "القيامة" [22] {وجوه يومئذ ناضرة} ، وفي "الإنسان" [11] {ولقاهم نضرة وسرورا} ، وفي "المطففين" [24] {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} .

وأما (الظهيرة) فسيأتي الكلام عليها عند قوله: (ظهر ظهيرها).

وأما (الظلة) فهو كل ما أظلك، ووقع في القرآن منها موضعان {كأنه ظلة} في "الأعراف" [171]، و {يوم الظلة} في "الشعراء" [189].

وأما (ظللت) فهو من قولك ظل فلان يفعل كذا: إذا دام على فعله نهارا، وهو من ظل يظل وهي أخت كان، ووقع في القرآن منه تسعة ألفاظ: {فظلوا فيه يعرجون} "بالحجر" [14]، {ظل وجهه مسودا} في "النحل" [58] و "الزخرف" [17]. {ظلت عليه} في "طه" [97]، {فظلت أعناقهم} ، {فنظل لها} كلاهما في "الشعراء" [4، 71]، {لظلوا من بعده} في "الروم" [51]، {فيظللن رواكد} بـ "الشورى" [33]، {فظلتم تفكهون} في "الواقعة" [65]. فـ (ظلت) و (فظلتم) أصله بلامين، لكنه خفف مثل مست ومسست. وضارع هذا اللفظ في اللفظ "الضلال" الذي هو ضد الهدى، نحو {وضل عنهم ما كانوا يفترون} [الأنعام: 24] وكذا ما معناه البطالة والتغيب نحو {أإذا ضللنا في الأرض} [السجدة: 10] أي: غبنا وبطلنا فلذلك عيناه في مواضعه ليمتاز من هذا، فاعلمه.

[ ص: 215 ] وأما (الانتظار) فهو التوقع، تقول: انتظرت كذا، أي توقعته، وأتى في أربعة عشر موضعا.

وأما (الظلال) بكسر الظاء فهو جمع ظل، وهو معروف، كظل الشجرة وغيرها، ويقال له ظل في أول النهار، فإذا رجع فهو فيء، والظل الظليل: الدائم، فهو وما اشتق منه بالظاء، نحو {مد الظل} [الفرقان: 45] و {ظللنا عليهم} [الأعراف: 160]، {يتفيأ ظلاله} [النحل: 48]، {في ظل} [البقرة: 210]، {من فوقهم ظلل} [الزمر: 16]. وتقدم ذكر (الظلة)، وجمعها ظلل أو ظلال كخلة وخلل، وبرمة وبرام، ووقع منه في القرآن اثنان وعشرون موضعا.

وأما (الحفظ) فهو ضد النسيان، وهو بالظاء كيف تصرف، نحو: {على كل شيء حفيظ} [هود: 57]، و {حافظات} [النساء: 34]، و {حفظة} [الأنعام: 61]، و {محفوظ} [البروج: 22]، و {يحفظونه} [الرعد: 11]. ووقع في اثنين وأربعين موضعا.

وأما (الظمأ) بالهمز: فهو العطش، ووقع في ثلاثة مواضع: في "براءة" [120] {لا يصيبهم ظمأ} ، وفي "طه" [119] {تظمأ} ، وفي "النور" [39] {الظمآن} .

[ ص: 216 ] وأما (الظلماء) فهي من الظلمة، وجمعها ظلمات، ووقعت في ستة وعشرين موضعا.

وأما (العظم) فهو معروف، وجمعه عظام، ووقع في أربعة عشر موضعا جمعا وفردا.

وأما (لظى) فأصله اللزوم والإلجاج، تقول: ألظ بكذا، أي ألزمه ولج به، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "ألظوا بـ يا ذا الجلال والإكرام" أي ألزموا أنفسكم وألجوا بكثرة الدعاء بها، وسميت بعض طباق النار به للزومها العذاب، قال الله تعالى: {وما هم منها بمخرجين} [الحجر: 48]، وفي القرآن منه موضعان: {إنها لظى} في "المعارج" [15]، {فأنذرتكم نارا تلظى} في "الليل" [14].

وأما (الظهار) فيأتي الكلام عليه عند قوله: (ظهر ظهيرها).

وأما (الغلظ) فهو معروف، وفي القرآن منه ثلاثة عشر موضعا.

وأما (الوعظ) فهو التخويف من عذاب الله، والترغيب في العمل القائد إلى الجنة. قال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب، انتهى. فهو بالظاء كيف تصرف، وجمع الموعظة مواعظ، وجمع العظة عظات. وضارعه في اللفظ قوله تعالى: {الذين جعلوا القرآن عضين} في "الحجر" [91]، وهو بالضاد، ومعناه أنهم فرقوه، وقالوا: هو سحر وشعر وكهانة ونحو ذلك.

[ ص: 217 ] وأما (الإنظار) فهو التأخير والمهلة، تقول: أنظرته: أي أمهلته، وهو اثنان وعشرون موضعا.

وأما (اللفظ) فهو الكلام، وهو مصدر من لفظ يلفظ، وهو موضع واحد: {ما يلفظ من قول} في "ق" [18].

وأما (الإيقاظ) فهو من اليقظة، وهي ضد الغفلة أو النوم، وهو موضع واحد في "الكهف" [18] {وتحسبهم أيقاظا} .

وأما (الفظ) فقيل: هو الرجل الكريه الخلق، مشتق من: فظ الكرش وهو ماؤه، وهو موضع واحد في "آل عمران" [59] {ولو كنت فظا} . وضارعه في اللفظ (الفض) الذي معناه الفك والتفرقة، تقول فضضت الطابع: أي فككته، وانفض الجماعة: أي تفرقوا، قال الله تعالى: {لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159]، {انفضوا إليها} [الجمعة: 11] أي: تفرقوا.

وأما (الحظر) فمعناه المنع والحيازة، لأن كل حائز لشيء مانع غيره منه، وهو موضعان: في "الإسراء" [20] {وما كان عطاء ربك محظورا} أي ممنوعا [ ص: 217 ] وفي "القمر" [31] {كهشيم المحتظر} والمحتظر: الذي يعمل الحظيرة.

وضارعه في اللفظ (الحضر) الذي هو ضد الغيبة، ومعناه الإتيان إلى المكان، والمعنى فارق بينهما، فافهم.

وأما قوله (ظهر ظهيرها) وقوله (في الظهيرة) وقوله (ظهر الظهار)، نتكلم عليهن الآن.

فالظهيرة: هي شدة الحر، ومنه قوله تعالى: {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} [النور: 58].

وأما الظهر فهو خلاف البطن، ومنه قوله تعالى: {إلا ما حملت ظهورهما} [الأنعام: 146].

والظهار هو من: تظاهر الرجل من زوجته، وهو أن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، ومنه قوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} الآية [المجادلة: 2].

وأما قوله: (ظهر) هو بضم الظاء، وهو اسم لوقت زوال الشمس، وهو وقت صلاة الظهر، تقول: أظهرنا: أي صرنا في وقت الظهر، قال تعالى: {وعشيا وحين تظهرون} [الروم: 18].

وأما (الظهير) فهو المعين، والتظاهر التعاون، ومنه قوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك [ ص: 219 ] ظهير} [التحريم: 4]. فإذا علم ذلك ففي كتاب الله تعالى منها وما تصرف منها سبعة وخمسون موضعا، والله أعلم.

وأما (الظفر) فهو الذي بالأيدي والأرجل، قال أبو حاتم: يقال ظفر وظفر بضمة واحدة وبضمتين، ولا يقال بالكسر كما تقول العامة، وقد يقال للظفر أظفور، قالت أم الهيثم:


ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت     وبين أخرى تليها قيد أظفور

وجمع الظفر: أظفار وأظافير، وقيل: أظافير جمع الجمع، كما قيل أقوال وأقاويل، وقيل: هو جمع أظفور. والتظفير: هو أخذك الشيء بأطراف أظفارك وتخذيشك إياه بها. ووقع في موضع في "الأنعام" [146]: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} والله سبحانه وتعالى أعلم.

وهذا آخر ما قصدته من ترجمة هذا الكتاب

وكنت قبل أن أكتب هذا التأليف بدأت في تأليف كتاب سميته: "التوجيهات على أصول القراءات" ثم رأيت الحاجة داعية إلى تأليف هذا المختصر، فانثنيت عن ذلك حتى كمل تأليفي لهذا الكتاب، وأنا إن شاء الله عازم على ذلك بإرشاده وتيسيره، إن تأخر الأجل، ونلت بلوغ الأمل حتى أكمله.

التالي السابق


الخدمات العلمية